السنيد يكتب: الحفاظ على جوهر عملية الحكم بالأردن
كتب علي السنيد:
الدستور الاردني ليس عرضة لاهواء الحكومات، وتقلباتها، والتلاعب به يقوض فلسفة ومبادئ عملية الحكم في الاردن، والتي امنت استقرار، ودوام المملكة في محيطها الملتهب، وجنبتها عواصف الاقليم الخطرة.
ومن السفاهة السياسية المس بجوهر النظام الديموقراطي القائم على توازن السلطات، واقتران السلطة بالمسؤولية.
ويعد التجرؤ على ذلك استهانة مطلقة بالنظام الدستوري في المملكة الذي يرعاه جلالة الملك، وهو رمزه الاعلى، ويرأس سلطات الدولة الثلاث التي تمارس دورها ، وصلاحياتها تحت مظلة الدستور.
وفي ذلك ما ينطوي على التعدي على الارادة الشعبية، والضرب بها عرض الحائط.
اقول ذلك وقد اطلت بعض الأصوات التي تروج لتعديلات دستورية تبقي الحكومة التي تحل مجلس النواب ولا تلزمها بتقديم استقالتها وهي تتناسى ان
نظام الحكم في الاردن نيابي ملكي، وهو ما يضع الركن النيابي في مرتبة الشريك الدستوري للملك.
والبرلمان يبسط رقابته على عملية الحكم وفق احكام الدستور هذا فضلا عن تقاسم السلطة التشريعية بغرفتيها (الاعيان والنواب) لعملية التشريع مع الحكومة التي تتقدم ببيانها الوزاري لنيل الثقة على اساسه من مجلس النواب، ولا تمارس صلاحياتها الدستورية الا بعد حصولها على ثقة الاغلبية البرلمانية.
وتخضع طوال مدة حكمها لادوات الرقابة البرلمانية التي يمنحها لها الدستور من توجيه الاسئلة الى الاستجواب، وطرح الثقة بالوزير، او التقدم بمذكرات حجب الثقة عن مجلس الوزراء برمته.
وفي المقابل لا يستمد النائب دوره وصلاحياته دستورياً من رضى الحكومة، ولا تفرض رقابتها عليه ، ولا تطرح الثقة في الاعيان والنواب، ولهذا تعلو السلطة التشريعية دستورياً على مجلس الوزراء لكونها تحكم الرقابة عليه، وليس العكس.
ومرد ذلك الى ان مجلس النواب يمثل الارادة الشعبية، وهو يفوض بموجب التوكيل الشعبي المنوح له الثقة للحكومات لكي تتحصل على مشروعيتها في تولي مسؤولياتها الدستورية، وممارسة اعمال، ومهام عملية الحكم.
ولا يحق للحكومة ان تغيب مجلس النواب لاي سبب كان، وان تمارس الحكم بمعزل عن رقابته، وعندما تنسب بحله، ويتم الحل فعليها ان تتقدم باستقالتها اذا لم يكن الحل جرى في الاشهر الاربعة الاخيرة من مدة ولايته حسب التعديل الدستوري الاخير، وذلك منعا من ان تتجرأ الحكومات على حل مجالس النواب التي لا توافق هواها، وهذا يوجب اجراء الانتخابات خلال اربعة اشهر من حل المجلس كي تخضع الحكومة مجدداً لاجراءات منح الثقة ، والخضوع للرقابة البرلمانية.
وليس من توازن السلطات ان تتسبب الحكومة بحل المجلس مصدر شرعيتها كما يروج البعض في الاعلام وتبقى في الحكم بعده، وان تشرع باجتراح السياسات والاجراءات والقرارات بدون توفر الرقابة من المجلس الذي يمثل ارادة الشعب في الصميم.
والحكومة التي تتفلت من رقابة المجلس ، او تضيق به، او بمحاورته، والتفاهم معه تعق مصدر شرعيتها، وتخالف قواعد وجوهر عملية الحكم في الاردن، وهي حكومة هشة تخشى الرقابة، ومواجهة النواب.
ولا يجوز التفكير مطلقا بالاقتراب من الدستور ، وتغيير نصوصه بغية اضعاف سلطة مجلس النواب، وافقاده لدوره الدستوري من جهة اية حكومة تفهم ابسط قواعد العمل الديموقراطي، وتدرك فسلفة ومبادى عملية الحكم في الاردن ، وخاصة ونحن في مرحلة التحديث السياسي التي تهدف للوصول الى الحكومات البرلمانية المعبرة عن الاغلبية الحزبية الممثلة في البرلمان .
ورجالات الاردن الكبار يتخوفون من العبث بالدستور، او الاقتراب منه دون دواعي مشروعة، ورجال الحكم الدستوريون يدركون قداسة القواعد الدستورية الملزمة، والتي تحافظ على توازن السلطات، ويتفهمون خطورة المساس بنصوص الدستور، وتغيبب فلسفته التي تحافظ على كيان الدولة، وتحمي العملية السياسية من تدخل الاهواء بها.