جرار يكتب: ماشي!

بشار جرار

من التعابير الجميلة الدالة على عدم الممانعة قولنا للسائل، ماشي! هي اختصار لجملة مفيدة قد تشير إلى أن الحال ماشي وليس واقفا، بمعنى جامدا أو متعطلا. لن أخوض في أي حال لا الحالة الاجتماعية-الاقتصادية ولا الأمنية-السياسية، لا محليا ولا إقليميا ولا عالميا، لكني أكرس هذه السطور للمشاة وللعبور في سائر أرجاء المعمورة، في عالم صار أصغر وأقرب وأكثر تفاعلية في ظل الثورة المعرفية والتقنية في قطاعات المواصلات والاتصالات بأنواعها، وأحدثها ما توفره تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

سأحصر المشي والعبور بما هو آمن وصحي وسياحي، دون إغفال لأبعاد لا تغيب عن البال كالثقافة والاقتصاد والسياسة لا بل وحتى الأمن بمعناه الشامل والعميق والمستدام. لا تكاد تخلو صالة رياضية أو ناد صحي من أجهزة المشي كأحد أهم المعدات الكفيلة برفع اللياقة وتحسين الأداء الرياضي وبالتالي نوعية الصحة العامة الجسمية والنفسية والعقلية، للفرد والأسرة والمجتمع.
بطبيعة الحال تتراوح تلك «المشّايات» إن جاز التعبير في أسعارها بحسب ما توفره من دعم حركي للمستخدم بما فيها إتاحة المتابعة المرافقة للتمرين من وسائل الإعلام والترفيه بحيث وفرت بعض تلك المعدات الرياضية، شاشات بإمكان المستخدم متابعة نشرة أو برنامج إخباري لقناة على الهواء مباشرة، أو التنقل باللمس -لمسة أصبع بلا أدنى عناء في الضغط، عبر القنوات والمنصات لتسلية الرياضي أو المستخدم الواعي لأهمية الرياضة ودورها في الحياة الخاصة والعامة.

مع التطور التقني دخلت تلك «المشّايات» عالما مثيرا من التفاعل الذكي والحي على نحو جدير بالتأمل وربما المتابعة.

سدا للثغرات، لن أذكر اسم نوع «التْرِدْمِل» ولا طرازه الأكثر تطورا في الأسواق الأمريكية، لكني سأتحدث وبقليل من الإسهاب عن ذلك التطبيق الذكيّ والحيّ بكل معنى الكلمة. «آيْ فِتْ» اسم التطبيق الذي تم اختيار اسمه بذكاء أيضا. الكلمة المفتاحية هنا هي اللياقة البدنية «فِتْنِسْ» التي هي حجر الزاوية وحجر متمم للبناء في هذا الهيكل المقدس الذي وهبنا الله إياه واستودعنا أمانته، هذا الجسم البشري العظيم في كليّته وفي أدق تفاصيل تفاصيله. سبحان ربي العظيم هو الخالق وحده، أبدع في خلق ونسج وحياكة كل خلية وكل مادة عضوية حية، علمنا كيف نوظف جميع الأشياء للتمتع بنعم العافية والصحة، ولا تعدل أي منها شيئا ما لم تتكلل وتتوج ببركة النعمة والرضى والفرح.

يا لها من مفاجأة زادت على ما فات من خير وبركة -و «في الحركة بركة»- وجود اسم الأردن بين آلاف المواقع المختارة من قبل التطبيق -»آيْ فِت»- كوجهة لعشاق الرياضة والمهتمين والمهووسين بالصحة الشخصية والمجتمعية. تصفحت التطبيق عبر شاشة الجهاز التفاعلي الذكي، فكانت لائحة زاخرة بالمواقع الأردنية السياحية والعمرانية. وليكتسب الأمر بعدا شخصيا بمحض الصدفة، لفت انتباهي اسم مدربي الرياضي الافتراضي عن بعد والذي لعب دور المرشد السياحي أيضا. لغة إنجليزية ممتازة تميز فيها محدثي ومدربي الخاص بحسن الدراية في الثقافة الأردنية والعالمية أيضا، بما فيها الأمريكية. لفت انتباهي الاسم، لأعرف بعد استفسار من صديق مشترك أنه ابن الأخ الصديق القس، صموئيل أبو جابر. من جبل القلعة في عمّان أخذني فادي من واشنطن إلى «السيق» والدير والخزنة في البترا، ووادي القمر في وادي رم، إلى الشوبك ووادي موسى وتيجان جرش العريقة.

لاعتبارات شتى، سارعت إلى مقارنة عربية وعالمية من حيث محتوى ما حمله التطبيق عن أردننا الحبيب فيما يخص السياحة الرياضية والطبيعية والأثرية والعلاجية، وبالإمكان القول إن منجما من الفرص متاح عبر هذا الجانب من الترويج الذكي، بعيدا عن الدعاية والإعلان بالطرق التقليدية.

مما يذكر في هذا السياق، أن اقتصادا قائما بذاته يتعلق باختيارات المتقاعدين في بلاد العم سام لوجهة التقاعد على صعيد الولاية أو المقاطعة على أسس صحية ومناخية، طبعا إضافة إلى توفر الأمن والأمان والبيئة النظيفة الهادئة. منذ عقود ارتفعت نسبة الراغبين في التقاعد داخل البلاد أو خارجها أو قضاء نصف العام أو موسما بعينه، للهروب من الرطوبة العالية أو الحر الشديد أو البرد القارص، أو الضوضاء بأنواعها.

من الآخر، هذا «حكي على الماشي»، لكن بشيء من تفعيل ما يليق في تطبيق تفاعلي حي وذكي، مكرس للياقة وهي أصل الكفاءة.. تحية من القلب لكل من يعطي الأردن حقه وصورته أمام العالم. وليس المرشد السياحي وحده أو الوزير أو المسؤول هو المعني بتلك الصورة الناصعة بل الجميع. ضيوف الأردن هم ضيوف الأردنيين جميعا في الوطن والمهجر..