بقي الأردن يتكلّم بلغة لا يجيدها سوى الكبار
رامي رحاب العزّة
بعد أن أسدل العالم الستار على غزة وصمتت الكاميرات كأن الحرب لم تكن، تقدّم الأردن وحده نحو الجرح المفتوح.
لم يأتِ ليُصوَّر، بل ليُسعِف؛
ولم يتحرك ليُشكَر، بل لأن الشكر لا يصنع إنسانية… أما الواجب فيصنع وطناً.
بقي الأردن حيث يهرب الآخرون، يمشي بثبات الملك عبدالله الثاني الذي جعل من الأخلاق سياسة، ومن الإنسانية نهجًا دوليًا، وبقلب ولي العهد الحسين الذي يذهب إلى الألم لا بحثًا عن دور، بل بحثًا عن حياة تُنقَذ.
في ذلك الصمت العالمي، كانت القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي – تُقيم في غزة دولةً صغيرةً من الرحمة:
مستشفيات تعمل كأن الوقت لا يكفي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه،
مخابز تنفخ الخبز في وجه الجوع،
وطائرات تهبط بلا ضوء… لأن الضوء الحقيقي ينبع من القلب لا من العدسة.
الأردن لا يمنح "مساعدات”…
الأردن يمنح جزءًا من نفسه.
بلد قليل الموارد، لكنه كبيرٌ حين يقتسم لقمة خبزه مع من جاع؛
بلد لا يملك فائض مال، لكنه يملك فائض مروءة؛
بلد لا يبحث عن مكان بين الكبار، لأنه في ساعة الإنسانية هو أكبرهم جميعًا.
بعد أن صمت العالم…
تكلم الأردن.
وتكلم بشيء أعظم من الخطب والتقارير:
تكلم بفعلٍ لا ينتظر شاهدًا، وبإنسانية لا تحتاج لإعلام كي تُثبت وجودها.
هذا هو الأردن…
ضوءٌ لم يخفت حين انطفأت كل الأضواء.
وطنٌ يكتب بيد الملك وولي العهد وجيشه وشعبه…
أجمل تعريف للإنسانية في زمنٍ تراجع فيه الكثيرون.