المعركة الصامتة

لارا علي العتوم

في عالمٍ تتسارع فيه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، بات الفقر متعدد الأبعاد واحدًا من أكثر الملفات إلحاحًا على صانع القرار العربي، فالفقر لم يعد مرتبطًا بنقص الدخل فحسب، بل أصبح مرآة لحرمان متشابك يشمل التعليم والصحة والسكن وفرص العمل، ما يجعل مواجهته ضرورة وطنية قبل أن تكون مهمة اجتماعيه، فخلال العقد الأخير، واجهت دول عربية عدة موجات متلاحقه من الاضطرابات الاقتصادية والسياسية، انعكست على حياة المواطنين بصورة مباشره

فمع تفاقم البطالة بين الشباب، وتراجع منظومات الرعايه الصحية، وارتفاع تكاليف المعيشة أصبحت الشرائح الضعيفة أكثر عرضة للحرمان المركّب، خاصة في الدول التي تشهد نزاعًا أو انتقالًا سياسيًا، ومع هذه التحولات، اتجهت الحكومات العربية إلى اعتماد مؤشرات جديدة لقياس الفقر، لا تعتمد على الدخل وحده، بل على جودة الخدمات وفرص النمو الشخصي والاقتصادي، هذا التحول كشف حجم التحدي الحقيقي، وأظهر أن ملايين الأسر تعاني من نقص في أكثر من مجال في الوقت نفسه، ما جعل سياسات الدعم التقليدية عاجزة عن إحداث التغيير المطلوب.

خلال السنوات الماضية، اتخذت عدة دول عربية خطوات متقدمة في مواجهة الفقر متعدد الأبعاد.

فاتسعت برامج الحماية الاجتماعية لتشمل شرائح جديدة عبر برامج وطنيه وبرزت إصلاحات واسعة في التعليم والخدمات الصحية، حتى في دول التعاون الخليجي فقد ساعد التحول الرقمي في تطوير أنظمة الاستهداف والدعم، فهذه التجارب رغم تباينها تشير إلى اتجاه عربي عام نحو بناء شبكات حماية أشمل وأكثر كفاءة.

ورغم شح الموارد وضغط الأعباء الاجتماعية، يقدّم الأردن واحدة من أكثر التجارب العربية نضجًا في التعامل مع الفقر المتعدد الابعاد، لاعتماده قاعدة بيانات وطنية واسعة للوصول إلى الأسر الأكثر حاجة ويعتمد أكثر من مئة مؤشر اجتماعي واقتصادي وصحي وسكني.

فهذا التطور جعل الدعم أكثر عدالة وفعالية، وقلّل من الهدر الذي شكّل تحديًا لسنوات طويلة.

ولم يعد هدف السياسات الأردنية تقديم المساعدة النقدية فقط، بل تمكين الأسر من دخول سوق العمل عبر التدريب والتشغيل، وأدخل الأردن البعد الاجتماعي في خطط الإصلاح الاقتصادي لضمان عدم تضرر الفئات الضعيفة، ولتحقيق توازن بين النمو الاقتصادي وتوسيع شبكات الأمان.

تُظهر التجارب العربيه والأردنية تحديدًا أن معالجة الفقر متعدد الأبعاد ليست مهمة آنية، بل مشروع طويل يحتاج إلى استدامة وإرادة سياسية واستثمار في الإنسان قبل أي شيء آخر.
 حمى الله الأردن