الحرب العالمية على إرهاب المخدرات

بشار جرار

ليس دق طبول الحرب بقدر ما هي «تك تاك» ساعتها الموقوتة. لن تكون حربا طويلة ولا فيتنام أو أفغانستان جديدة، بل حرب خاطفة هي التي لم يجد ترمب بدّا من ترحيلها من ولايته الأولى إلى الثانية.

يريدها الرئيس السابع والأربعون لأمريكا حربا عالمية على إرهاب المخدرات وفرضا لمبدأ مونرو الذي ارتبط بخامس رؤساء الولايات المتحدة في السيطرة على النصف الغربي من الكرة الأرضية. ليست مجرد عملية عسكرية تقرر تسميتها «الرمح الجنوبي»، فمن بين أهدافها المعلنة القضاء على أوكار تجار السموم المسماة المخدرات وكارتيلات تهريبها المتشابكة مع عصابات تهريب البشر والاتجار بهم وبالأعضاء البشرية وإطاحة سدنة هيكلها الشيطاني في الحديقة الخلفية لبلاد العم سام، هناك في فنزويلا وعبر دول الكاريبي إلى سائر دول أمريكا اللاتينية.

المطلوب ليس فقط التعشيب، بل والتجفيف والتجريف والتحريق أيضا. لن يكون مقبولا اختراق الأسرة والمجتمعات والمؤسسات بسموم المخدرات، ومن يتسلقون بأموالها السوداء إلى سدة السلطة ومواقع اتخاذ القرار أو الاستحواذ على المال والنفوذ. هي حرب كما وصفها وزير الخارجية ماركو روبيو تهدف إلى الدفاع عن أوروبا وليس بلاده وحدها، وعمليا كندا أيضا، فضلا عن أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية.

غالبية المهاجرين القادمين سيرا على الأقدام فيما عرف في وسائل الإعلام الأمريكية ب «قوافل المهاجرين» كانوا ممن أتوا طلبا للأمن والأمان لأسرهم من نظم وتنظيمات عصابية تحكم بلادهم بنيران القمع وأتون المخدرات والجرائم المنبثقة عنها من خطف وابتزاز وترويع.

بصرف النظر عن مدى العلاقة بين نظام نيكولاس مادورو وشرعية نجاحه في انتخابات تراها واشنطن مزورة، وبغض الطرف عما شهدته جزيرة مارغاريتا الفنزويلية من لقاءات «تآمريه» بين نظام العسكر في فنزويلا، ودول أخرى في الإقليم من طغم فاسدة، فإن العلاقة بين نظام ملالي طهران وعدد من أذرعها خاصة حزب الله وما قيل إنه جناح إيران الحمساوي في غزة والضفة الغربية ولبنان، كانت محل رصد ومتابعة حثيثة من الأجهزة الأمنية في أمريكا، حتى قبل وصول ترمب إلى البيت الأبيض في ولايته الأولى، عندما كان الصقوري الجمهوري أحد رموز «المحافظين الجدد» جون بولتون، مستشاره للأمن القومي.

بمعزل عما يروج له خصوم ترمب دوليا، ومعارضوه داخليا حتى في حركة «ماغا» -اختصارا لشعار «لنجعل أمريكا عظيمة مجددا»-، فإن مقتل ما لا يقل عن مئة إلى ثلائمة ألف سنويا في الولايات المتحدة، من مخدر واحد يعرف ب»فِتْنَل»، والفساد والترويع الذي عرفته أكثر من ولاية أمريكية بما فيها ولايات ديموقراطية وغير حدودية، ك «إم إس ثيرتين» المكسيكية، و»ترِند دِ أرَغوا» الفنزويلية، قد جعلت من حرب ترمب موضع ترحيب الأمة الأمريكية، وكثير من دول العالم التي عانت مجتمعاتها الارتفاع والتفشي الجنوني والمفزع لآفة المخدرات التي تم تصنيفها كسلاح كيماوي -من أسلحة الدمار الشامل- وإدراج عصاباتها من تنظيمات ونظم على لائحة الإرهاب الخارجي، لضمان حق أمريكا في شن عمليات عسكرية واستخبارية ليس فقط في المياه الإقليمية -كما في قصف الزوارق الفنزويلية جوا- بل وبدء عمليات القصف البري والتي لا تعني بالضرورة نشرا لقوات أمريكية ولا حتى إنزالا، ما لم يكن ذلك النوع الخاص بإلقاء القبض على مطلوب للقضاء الأمريكي وتكبيله واقتياده للمثول أمام العدالة الأمريكية. مصير مخزٍ يريد مادورو تفاديه حتى لا يلقى مصير سلفه في ذلك الجزء من العالم، الرئيس البنمي الأسبق الجنرال مانويل نورييغا، إبان عهد جورج بوش الأب قبل خمسة أشهر من تحرير دولة الكويت الشقيقة من الغزو العراقي عام 1990.

«الرمح الجنوبي» سبقتها عمليات ضرب نوعية لعصابات المخدرات في سائر أرجاء العالم من بينها تفكيك مصنع إيراني للكبتاغون في اليمن، وإلقاء القبض على نوح زعيتر الملقب بأوسكوبار البقاع أو لبنان والمرتبط بأكثر من علاقة مع حزب الله اللبناني، خاصة في عمليات تهريب المخدرات لغايات تمويل ميلشيات الحزب واستهداف دول المنطقة بتلك السموم كعامل مزعزع للاستقرار من خلال محاولة إنهاك وإشغال الجيش والأمن واختراق المجتمع من خلال ضرب قدرته الإنتاجية الرئيسية وعماد المستقبل، الشباب. حتى الأطفال وكبار السن لم يسلموا من استهداف هؤلاء المجرمين ولا فرق بينهم، أي شعار رفعوا أو تحت أي راية تخفوا وتسللوا.

من الآخر، قياس الحرب الوشيكة بمعايير ما سبقها من حروب أمريكية خطأ استراتيجي قد تضيع فيه فرصة ثمينة للقضاء المبرم على تجار الموت في سائر أرجاء المعمورة. الرياح هبّت ومن المفيد اغتنامها..