أن نُصلح أحوالنا اليوم لأنّ الوقت لن ينتظرنا

القس سامر عازر

في هذا الأحد الأخير من السنة الكنسية، تدعونا الليتورجيا إلى وقفة صادقة مع ذواتنا، وقفة تُعيد ترتيب الأولويات، وتذكّرنا بأنّ الزمن لا ينتظر أحدًا. فالحياة تهبنا الفرص، لكنها لا تضمن لنا غدًا جديدًا. لذلك، فإن إصلاح أحوالنا، تصويب مسار حياتنا، وإنارة قلوبنا بنور الإيمان ليست أعمالًا نؤجّلها، بل رسالات يومية لا مجال لتأخيرها. وكما يقول القديس أغسطينوس: «ليس الغد ملكًا لك، فإن كنتَ لا تملك يوم غد، فلا تُؤجِّل خلاص اليوم.»

 ونحن نتهيّأ لعيد الميلاد، لا يكفي أن نزيّن بيوتنا بأضواء جميلة وأكاليل خضراء، بل الأهم أن نُعدّ زينة القلوب: قلوب مشرقة بالإيمان الغافر، الإيمان الذي يراجع ضمير الإنسان، فيصلح أخطاءه، ويُصحّح علاقاته، ويُنصف من أساء إليه أو أخطأ بحقه. فهذه هي الزينة التي ينتظرها المسيح؛ وهذا هو الجوهر الحقيقي لفرح الميلاد.

 في هذا الإطار، يقدّم لنا إنجيل متّى (25: 13-1) مثل العذارى العشر، حيث تميّزت الحكيمات بأن زيت الإيمان كان معهنّ. ذلك الزيت الذي يكفي لإنارة حياتهنّ كل الوقت، ويساعدهنّ على أن يكنّ مستعدّات لملاقاة العريس متى جاء. أمّا الجاهلات، فلم تنتبهن لأهمية الجهوزية الروحية؛ وعندما جاء العريس كان الأوان قد فات، وأُغلق الباب.

 هذا المثل الواقعي يشرح لنا بوضوح أنّ الحياة قصيرة، وأن نهاية الإنسان قد تأتي في أي لحظة. فلا القوة تكفي، ولا الصحة، ولا العلم، ولا الثراء. كل ذلك يزول. أمّا نور المسيح المشرق في حياتنا، فهو وحده القادر على أن يثبّت خطانا ويُضيء رسالتنا، ويجعلنا نعيش أيامنا بمعنى واتزان ورجاء. بهذا الإيمان ندخل ملكوت السموات، وبدونه نبقى في الظلمة مهما امتلكنا من أسباب القوة الزمنية. فإذا ما أُغلق باب الملكوت، لا ينفع ندم، ولا ينفع عمل أي شيء، لأن الوقت قد عبر والباب قد أقفل.

 من يعرف الله اليوم، ويعيش حياته في مخافته، ويجتهد في أن يسير بنور الإيمان الذي لا يصنع شرًا للقريب، يعرفه الله عند اكتمال الزمان. فالله لا ينسى أبناءه الذين عاشوا بالصدق والمحبة، ويُتمّم فيهم وعده الأبدي.

 فلنعش هذا الأحد بروح الانتباه، لنراجع ضمائرنا، لنُصلح القلوب قبل الأعياد، وليكن شعارنا: أن نُصلح أحوالنا اليوم، لأن الوقت لن ينتظرنا. هكذا نستقبل العريس بفرح، ونستعد لعيد الميلاد بزيت إيمان لا ينطفئ، يُنير حياتنا ويقودنا إلى ملكوته.