المعايطه يكتب: التعليم في الأردن إصلاحٌ مؤجَّل

بقلم: الدكتور محمد علي المعايطة
جامعة البترا

لم يعد الحديث عن التعليم في الأردن ترفًا فكريًا أو موضوعًا للنقاش الدوري، بل أصبح ضرورة وطنية ملحّة، بعدما تآكلت ركائز المنظومة التعليمية على مستوى التعليم الأساسي والعالي، وتبدّلت أولوياتها دون رؤية متماسكة أو خطة وطنية عابرة للحكومات. وفي الوقت الذي تتغير فيه ملامح التنمية عالميًا، يقف التعليم في الأردن عند مفترق حاسم؛ إما إصلاح جذري يعيد بناء الثقة، وإما استمرار الانحدار نحو مخرجات أضعف وقدرات بشرية غير قادرة على المنافسة. ان التعليم في الأردن يعيش الان واحدة من أكثر مراحله دقّة وحساسيّة، مرحلة تحتاج إلى وقفة وطنيّة شاملة تُشارك فيها الحكومة والجامعات والمدارس والقطاع الخاص والمجتمع المدني، للخروج برؤية واضحة وقرارات مُلزمة قبل أن تتعمّق الأزمة وتغدو عصيّة على الإصلاح.

فنتائج التقويم الوطنية والدولية تشير بوضوح إلى أزمة ممتدة، تتجاوز الأخطاء الفردية لتُمثّل خللًا بنيويًا في المنهاج، والمعلم، والتشريعات، وصولًا إلى مخرجات التعليم. وتتجلى المشكلة في بيئة صفية غير مستقرة، ونزاعات بين الطالب والمعلم، وتغييرات متلاحقة في المناهج دون تقييم حقيقي للأثر، ما جعل المدرسة والجامعة عاجزتين عن تقديم مخرجات تتقن المهارات الأساسية.

وتتعقد الأزمة مع ازدياد أعداد الخريجين الذين يفتقرون إلى الكفاءات الأساسية، الأمر الذي يشكل تهديدًا مباشرًا لسوق العمل وللقدرة التنافسية للاقتصاد الوطني. ولا تقل المدارس و الجامعات الخاصة قلقًا، فهي تواجه تشريعات غير متوازنة، وأعباء مالية، وإجراءات قضائية مطوّلة تهدد استمرارية مؤسسات تعليمية تخدم شريحة واسعة من المجتمع.
إن ما يواجهه القطاع التعليمي في الأردن لا يقتصر على ضعف المناهج أو تكرار التعديلات، بل يشمل خللًا مؤسسيًا يمتد من السياسات والتشريعات إلى البنيه التحتية 

كما تعاني مؤسسات التعليم الأساسي من مجموعة مشكلات جوهرية؛ أبرزها التفاوت الكبير في جودة التعليم بين المدارس الحكومية والخاصة، نقص الكوادر المؤهلة في بعض المناطق، وغياب منظومة تقييم دقيقة تكشف مواطن الضعف الحقيقية. كما أدى الضغط الناتج عن ارتفاع أعداد الطلبة، وضعف البنية التحتية في العديد من المدارس و الجامعات إلى بيئة صفية طاردة للمعلم والطالب معًا، مما جعل العملية التعليمية تميل إلى التلقين لا إلى التفكير النقدي أو تنمية المهارات.

أما الجامعات الأردنية بالذات، فتواجه تحديات موازية ولكن أكثر تعقيدًا؛ من أبرزها تضخم أعداد الطلبة على حساب النوعية، وتراجع مستوى البحث العلمي، وغياب الحوكمة المالية والإدارية الرشيدة، وازدياد الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل. كما أن نظام القبول الموحد، ومعايير الاعتماد، ونسب أعضاء هيئة التدريس إلى الطلبة—all—تحتاج إلى مراجعة شاملة تعيد تصويب المسار بما يضمن العدالة والكفاءة.

أبرز المشكلات الحالية في التعليم الأساسي والعالي في الأردن (مع حلول قابلة للتطبيق):
1.تشتت السياسات وتغيّر المناهج دون تقييم علمي:
المشكلة: تعديلات متكررة تفقد النظام استقراره وتربك المعلم والطالب.
الحل:
إنشاء مجلس وطني للتعليم مستقل عن التغيرات الحكومية.
تشكيل مجلس علمي مستقل لتطوير المناهج وإخضاع كل تغيير لتجارب ميدانية قبل التطبيق العام.
. تقييم المنهاج كل 5–8 سنوات وفق منهجيات بحثية متعارف عليها دوليًا (Pilot Testing – Impact Evaluation).
2.ضعف تأهيل المعلم وتراجع مكانته المهنية:
المشكلة: غياب التدريب المتخصص، وعدم وجود مسار مهني واضح.
الحل:
. ربط الترقيات بحضور برامج تدريبية قصيرة وعالية الجودة.
سن تشريعات تعيد للمعلم هيبته، وتضع آليات واضحة للتعامل مع الطلبة ذوي السلوكيات الخطرة أو المعيقة للتعلم.
. إعادة تأهيل المعلمين بدورات إلزامية قصيرة وبمعايير واضحة.
تطوير نظام يحفظ هيبة المعلم عبر تشريعات توازن بين حقوقه وحقوق الطالب.
3.عدم الانضباط المؤسسي وغياب إدارة صفية فاعلة:
المشكلة: سلوكيات تعطل الدرس وتهدد حق الآخرين في التعلم.
الحل:
تطبيق "نظام الإنذار التربوي” بثلاث مراحل: وقائي – علاجي – ضبط. وتفعيل دور مجالس أولياء الأمور.
4.فجوة المهارات الأساسية بين المراحل:
المشكلة: انتقال الطلبة للصفوف الأعلى دون إتقان المهارات الأساسية.
الحل:
اعتماد اختبارات وطنية معيارية في الصفوف 3، 6، 9، 12.
تخصيص برامج دعم فردية للطلبة المتأخرين، ومنع الانتقال التلقائي.
. ضبط البيئة الصفية وإنفاذ الانضباط المدرسي
•استحداث "نظام إنذار تربوي” للتعامل مع الطلبة ذوي السلوكيات المعيقة للتعلم.
توفير مرشدين نفسيين وتربويين مؤهلين في كل مدرسة.
. تعزيز المهارات الأساسية قبل الانتقال بين الصفوف
 .وضع اختبارات معيارية وطنية للغتين العربية والإنجليزية والرياضيات والعلوم في مراحل محددة
6.أزمات المدارس الخاصة وتشوه الإطار القانوني: 
المشكلة: ضعف الحماية التشريعية للمؤسسات الخاصة، وطول
الإجراءات القضائية.
الحل:
سن قانون موحد للمدارس الخاصة يوازن بين حق الطالب وحق المؤسسة.
إنشاء لجان تربوية قضائية مختصة تُصدر قرارات ملزمة خلال 30 يومًا.
.إصلاح التشريعات الخاصة             بالمدارس الخاصة
وضع إطار قانوني يحمي حقوق المدرسة والطالب دون جور على أي طرف.
تسريع الفصل في القضايا التربوية والمالية عبر محاكم متخصصة أو لجان قضائية تربوية.
7.تحسين الحوكمة والشفافية
الحل: 
نشر نتائج تقييم المدارس الحكومية والخاصة سنويًا.
محاسبة إدارات المدارس التي تفشل في تحقيق المعايير الأساسية للأداء.
8.تراجع جودة التعليم الجامعي وتضخم أعداد الخريجين
المشكلة: برامج أكاديمية لا تعكس احتياجات السوق، وانتشار تخصصات غير مطلوبة.
الحل:
إغلاق أو دمج التخصصات الراكدة، وفتح برامج حديثة (AI، Cybersecurity، Biotechnology…).
تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لتحديد المهارات المطلوبة.
إدخال التدريب العملي والسريري والميداني ضمن الساعات الإجبارية.
9.ضعف الحوكمة والشفافية
المشكلة: غياب المعلومات الدقيقة عن أداء المدارس والجامعات.
الحل:
نشر تقارير سنوية بأداء كل مؤسسة تعليمية تشمل: جودة التدريس، البنية، الانضباط، نتائج الاختبارات الوطنية.
ربط تمويل الجامعات الحكومية بمؤشرات الأداء (Performance-Based Funding).
10.بطء التحول الرقمي وغياب البنية التقنية
المشّكلة: عدم استثمار تقنيات التعليم الحديثة.
الحل:
إنشاء منصة وطنية موحدة للدروس والفحوصات الرقمية.
تدريب المعلمين على استراتيجيات التعليم الإلكتروني خلال ثلاث سنوات.

خاتمة:
إن إصلاح التعليم في الأردن لا يبدأ من المناهج وحدها، ولا من المدرسة أو الجامعة منفردة، بل من رؤية وطنية شاملة تُعيد ترتيب الأولويات وتربط كل مكونات النظم التعليمية والبحثية ضمن إستراتيجية موحدة. الإصلاح الحقيقي يتطلب شجاعة سياسية، وتعاونًا مؤسسيًا، وتطبيقًا صارمًا للحوكمة والعدالة. وما لم نتحرك الآن، فسندفع لاحقًا ثمن الفجوة التي تتسع عامًا بعد آخر في قدرات الأجيال الجديدة، وفي قدرة الأردن على المنافسة والبقاء في محيط عالمي يتغير بسرعة غير مسبوقة
ان إصلاح التعليم في الأردن لم يعد خيارًا مؤجّلًا، بل ضرورة وجودية. ما لم تُتخذ قرارات جريئة ومُلزمة تُعيد للمدرسة و الجامعه هيبتها، وللمعلم مكانته، وللمناهج ثباتها، فإن الفجوة ستتسع، وسيُصبح علاجها أكثر كلفة وتعقيدًا. التعليم هو الرافعة الوحيدة القادرة على حماية الأردن اقتصاديًا واجتماعيًا، وإعادة الاعتبار له يبدأ بخطوات واضحة… وشجاعة.
الدكتور محمد علي المعايطة 
جامعة البترا