"جرس زياد المناصير".. حين يفضح المستثمر خجل المؤسسات
ايسر النمر
ما قاله زياد المناصير لم يكن تصريحاً او تعليقاً عابراً بل كان تشريحاً دقيقاً لمرض سياسي وإداري يعرفه الجميع ويخشى الحديث فيه، و خطورته تكمن في ان صاحبه ليس بحاجة إلى منبر او ان يلجأ إلى وسائل الإعلام لإيصال صوته.
هل وصلت الأمور مع المناصير إلى حد لا يمكن السكوت عنه، أم أنه قرر أن يخوض معركة بالنيابة عن كثير من المستثمرين، أردنيين وغير أردنيين، والسؤال، كيف لمسؤول أن يجرؤ على ابتزاز شخص بحجم زياد المناصير بكل ما يملك من استثمارات و علاقات سياسية؟ لولا انه يعلم و بالحد الادنى يعتقد ان ظهره محمي و لن يحاسب.
للأمانة لم أكن مع خروج هذه (الحقائق) للعلن. ليس للتستر على من يقوم بمثل هذه التجاوزات بل لأن المناصير قادر وبكل سهولة الوصول إلى أعلى المستويات السياسية و التنفيذية ووضعها بصورة أية صعوبات أو ضغوطات قد يتعرض لها.
كشف المستور بهذه الطريقه يشير إلى أن القنوات الرسمية أصبحت عاجزة أو غير موثوقة بما يكفي لتُعالج مثل هذه الانتهاكات، وهذا بحد ذاته إنذار سياسي خطير.
المناصير، بصراحته القاسية أعلن و بكل وضوح أن بعض المسؤولين يمارسون الابتزاز.
و كلامه لا يرتبط فقط بالواسطة واستغلال المنصب والابتزاز بل يكشف خللاً جوهرياً في طريقة إدارة الدولة من قبل بعض المسؤولين الذين ما زالوا يتصرفون بعقلية الإقطاع السياسي، التي ترى أن المنصب ملكية خاصة، لا وظيفة عامة.
هذا السلوك لبعض المسؤولين لم يولد من فراغ، ولا يمكن أن يمارس بهذه الوقاحة دون منظومة قامت بشرعنته، أو تغاضت عنه ولم تضع حداً له، وهو دليل على أن الرقابة السياسية الحقيقية ما زالت ضعيفة.
حديث المناصير أزاح ستار المسرح عن العلاقة القائمة بين بعض المسؤولين ورجال الأعمال و أظهرت الصوره الحقيقية الغير خاضعة لعمليات التجميل والتي يسوق لها في المؤتمرات و الندوات و اللقاءات الإعلامية.
اليوم لم يعد ممكناً التعامل مع الأمر باعتباره تصريحاً مزعجاً، حيث لدينا اتهام مباشر له تكلفة سياسية واقتصادية وأمنية، لأن ضرب الثقة في بيئة الاستثمار لا يجرح الاقتصاد فقط، بل يجرح الدولة نفسها.
على الحكومة ان تبدأ بأول خطوة ويجب أن تكون الخطوة صدامية بقدر جسامة التصريح نفسه بعد إلزام المناصير تقديم كافة الأدلة التي تثبت صدقية كلامه، وفتح تحقيق بشكل سريع تظهر نتائجه خلال ايام معدودة، و من ثم محاسبة كل مسؤول يثبت ممارسته ضغطاً أو ابتزازاً.
ليس هذا من أجل المناصير… بل من أجل الدولة، لأن الدولة التي تخشى مواجهة فساد مسؤول، هي تخسر نفسها قبل أن تخسر أي شيء آخر.
مواجهة هذه القضية ليست خياراً بل هي استحقاق سياسي بامتياز ، الواسطة والمحسوبية و استغلال المنصب و الابتزاز ليست ظواهر اجتماعيه فقط بل هم اداوات نفوذ سياسي، وترك مرتكبيهم دون محاسبة هو السماح لهم بتشكيل مراكز قوة داخل الدولة نفسها. وهذا أخطر تهديد يمكن أن تواجهه الدوله.
جرس المناصير لم يقرع فقط ليكشف فساد بعض المسؤولين، رنينه كشف هشاشة المساءلة، وغياب الردع، و من هنا نكتشف أحد أسباب العطب الذي أصاب الثقة بين المواطن و مؤسسات الدولة.
السؤال اليوم ليس: لماذا و كيف قال المناصير؟
السؤال الحقيقي: هل تملك مؤسسات الدولة الشجاعة لتفعل ما يجب أن يفعل؟
غير ذلك ستكون الرسالة واضحة للجميع (الفساد لا يزال أقوى من الإصلاح)
نافذة الحقيقة فتحت ………