خبراء الغيب الاقتصادي… من يصنع هذا الضجيج؟
محمد علي الزعبي
في زمن تتكاثر فيه الأصوات أكثر من الحقائق، يخرج علينا بعض "الخبراء” الذين يمارسون التحليل الاقتصادي كما لو كانوا يقرأون الغيب، ويتنبؤون بمستقبل الحكومة وبحجم الاستدانة القادمة، وبتحركات لا يعلمها حتى أصحاب القرار أنفسهم، أصوات تتعالى في لحظة تحتاج إلى الهدوء، وتزداد حدّة حين يحتاج المواطن إلى المعلومة لا إلى الوهم، وإلى الطمأنينة لا إلى التحشيد والانفعال.
لقد تحوّل بعض المحللين إلى تجار قلق، يلقون أرقامًا افتراضية وفرضيات متخيلة، يصنعون منها حقائق مشوهة تُستفزّ بها مشاعر الناس وتُشعل مواقع التواصل وتُربك الرأي العام، وكأن الهدف لم يعد توعية المجتمع أو شرح ما يجري خلف الأرقام، بل تحويل الاقتصاد إلى خشبة مسرح، والتنبؤات إلى مشاهد مثيرة، والشارع إلى جمهور يُصفّق للخوف ويُصفّر ضد الواقع.
سؤالي .. ما هدف هذه التحليلات التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟ هل هو البحث عن الأضواء؟ أم الركض خلف تأثير سريع؟ أم استغلال اللحظة الاقتصادية لصناعة أسماء على حساب وعي الناس؟ أم أن البعض يدرك — عن قصد — أن كلمة في الاقتصاد يمكن أن تهزّ ثقة، وتربك سوقًا، وتخلق أزمة من "لا شيء”؟
الحقيقة أن الأردن، رغم تحدياته، ليس دولة بلا مؤسسات مالية تعرف ما تفعل وتتحرك ضمن حسابات دقيقة. ولذلك، فإن تحويل النقاش المالي إلى فوضى شعبوية هو اعتداء على الوعي العام، وإضعاف لثقة المواطن، وتشويش لا يخدم الوطن. فالاقتصاد ليس لعبة في يد من يريد الظهور، ولا مساحة مفتوحة لمن يقدّم الأسوأ على أنه تحليل، والأخطر على أنه معلومة.
إن الوطن بحاجة إلى خبراء يعقلون قبل أن يتكلموا، ويشرحون قبل أن يحذروا، ويملكون المعرفة لا مجرد القدرة على الصراخ، بحاجة إلى من يرى الصورة كاملة، لا إلى من يصنع من الظلّ أزمة، ومن الاختلاف عاصفة، ومن كل قرار "كارثة”. فالأردن لا يقوم على التهويل ولا تضعفه الشائعات، لكنه يتضرر حين يتحول التحليل إلى أداة فوضى.
وفي النهاية وليس دفاعاً عن الحكومة .. سيبقى الأردن أقوى من هذا الضجيج، وأوعى من أن يهزه تنجيم اقتصادي أو صراخ عابر، وسيبقى المواطن الأردني قادرًا على التمييز بين من يريد الحقيقة ومن يتاجر بها، أما أولئك الذين يظنون أن صخبهم يقود الرأي العام، فليفهموا أن الوطن لا يُدار بالتهويل، ولا تُقاس مصالحه بضرب الرمل… بل بالحكمة، والمعرفة، والمسؤولية.