وجع السنين بين الصمت والأنين
خالد مفلح البداوي
في زوايا الوطن المزدحمة بالتعب، تتناثر قصص الناس البسطاء كأوراق خريفٍ تذروها الرياح. وجوهٌ أنهكها الانتظار، وقلوبٌ ما زالت تنبض بالأمل رغم الوجع، وعيونٌ تراقب الغد لعلّه يحمل بريقًا من الفرج.
سنواتٌ من الصبر والصمت، حملت بين طيّاتها أنينًا خافتًا لا يسمعه إلا من عاش تفاصيله. المواطن الأردني اليوم لا يطلب أكثر من حياةٍ كريمة تحفظ كرامته، ووطنٍ يبادله الوفاء بالاحتواء والعدل.
كم من عاملٍ خرج قبل شروق الشمس وعاد مع المغيب لا يحمل سوى رزقٍ بسيطٍ ممزوجٍ بالتعب؟
ها هو أبو أحمد، ينهض كل صباحٍ مبكرًا، يحمل وجعه بصمت، ويسير إلى عمله بابتسامةٍ يزرعها في وجه الأيام من أجل لقمةٍ حلالٍ لأبنائه.
وذاك أبو العبد، الذي لم تمنعه قسوة الظروف من أن يبقى وفيًّا لوطنه، يكدّ بعرق جبينه، ويؤمن أن السعي في طلب الرزق عبادة، وأن خدمة الوطن تبدأ من الإخلاص في العمل.
وفي بيتٍ آخر، تجلس أم محمد أمام مدفأتها القديمة، تخيط ثوب الحياة بخيوط الصبر، وتُخفي تعبها خلف دعاءٍ صادقٍ بأن يحفظ الله أولادها ويُفرّج كربهم. إنها المرأة الأردنية التي ما زالت رغم كل الصعاب، تصنع من الصبر بطولةً، ومن الرضا زادًا للأيام.
ورغم ذلك، لم يفقد الناس الثقة بوطنهم ولا بقيادتهم، بل ما زالوا يتشبثون بالأمل ويؤمنون أن الوطن يسمع أبناءه ويهتم بشؤونهم. فالوطن لم يكن يومًا خصمًا لمواطنيه، بل بيتهم الكبير الذي يحتضنهم في الشدة والرخاء.
إنّ وجع السنين لا يُعالج بالتصريحات ولا بالوعود العابرة، بل بخططٍ واقعيةٍ تلمس حياة المواطن وتعيد التوازن بين القول والفعل. فالشعوب العظيمة لا تُقاس بصبرها فقط، بل بإيمانها أن صوتها مسموع وأن العدالة ممكنة مهما طال الانتظار.
لقد صبر الأردنيون بصمتٍ كريمٍ ونُبلٍ عظيم، لكن الصمت لا يعني الغياب، بل انتظار لحظةٍ يُقال فيها الحق بحكمةٍ واحترام. فالمسؤولية مشتركة، والهدف واحد: أن يبقى الوطن قويًا بأبنائه، مزدهرًا بعدله، آمنًا بقيادته الحكيمة.
فوجع السنين ليس وجع شكوى، بل وجع محبةٍ وغيرةٍ على وطنٍ يستحق الأفضل. وما بين الأنين والصمت، يبقى الأمل أكبر من الألم، ويبقى الأردني – كعهده دائمًا – وفيًا، صبورًا، ومؤمنًا بأن الغد أجمل إذا ما تكاتف الجميع في خدمة الوطن.
وإن كانت السنين قد أتعبت الناس، فإن صوتهم لا يطلب سوى أن يُسمع.
كلمة الشعب للمسؤولين اليوم بسيطة وواضحة:
اسمعونا كما نسمعكم، وامنحونا من الأمل قدر ما نمنحكم من الصبر، فالوطن لا يُبنى إلا بتلاقي القلوب قبل تلاقي الخطط.