استدارة... وفتح صفحة جديدة!
نسيم عنيزات
مع كل الصعوبات التي مرّت بها دولتنا، والتحديات الجاثمة على الطاولة الأردنية، وفي ظل المطالبات بالاستدارة الداخلية، ما زال بيننا من يصمّ أذنيه ويُغمض عينيه، لا يريد أن يسمع أو يرى.
فالناس تئنّ تحت وطأة الفقر وصعوبة الظروف الحياتية والمعيشية، فما إن تجلس في مكان، أو تقلب صفحات التواصل الاجتماعي، لا نسمع أو نقرأ إلا صيحات ومناشدات تخفيفية عن كاهل المواطن، الذي أصبح غارقًا في الديون، وحائرًا من قلّة الحيلة.
حديث الناس واحد ومطالبهم متقاطعة، وأينما قلّبت بصرك، ووجّهت سمعك، تجدها في كل مناسبة، وتسمع صداها في كل زاوية واتجاه.
فكيف لنا أن نصنع مستقبلًا، وأن نُحيي الثقة، وهناك من لا يرى إلا ظلّه، ولا يسمع إلا صوته، ولا رأيَ إلا رأيه، وأنّ الحقيقة هي ما يطرحه، وكأنّه مُنعزل عن العالم لا يشعر بما يدور حوله؟!
والغريب أنّه عندما يُغادر موقعه وينضمّ إلى صفوف العامة مؤقتًا، يغادر منطقة الهمس والنعومة إلى الحِدّة والصوت الأجشّ، ودائرة الدفاع إلى ساحة النقد واللوم، وكأنّه لم يكن موجودًا.
مناشدات لا تتوقف، وصيحات لا تنقطع من الناس بعد أن ضاقت بهم الدنيا على سعتها، وهم يطالبون بالنظر إليهم، وتحسين أحوالهم، ومراعاة ظروفهم، بعد أن فرغت جيوبهم واستُنفدت مدّخراتهم، بسبب تراكم التزاماتهم، وعدم قدرتهم على تلبية الحد الأدنى من مطالبهم ومستلزمات أسرهم.
لنسأل هنا: أيّهما أكثر نفعًا على الدولة والمجتمع؟ الاستمرار بتنفيذ قانون السير بما فيه من موادّ جدلية، أم إعادة دراسته وإجراء تعديلات عليه بما يحقّق توافقًا مجتمعيًا، ويحقّق تطلّعات الدولة، بما أنّ الهدف هو حماية المواطن؟
فلماذا نلجأ إلى إجراء مراجعات وتعديلات قانونية على بعض القوانين كالضمان الاجتماعي والإدارة المحلية، اللذين لم يمضِ عليهما أربع سنوات، بحجة التطوير والتحديث، ونغفل عن أخرى؟
لماذا هذا الإصرار على حجم مخالفات السير التي منعت الكثيرين منّا، وحالت دون قدرتهم على ترخيص مركباتهم، ونُجبرهم مُكرَهين على استعمال مركباتهم بطريقة غير قانونية، الأمر الذي يُفاقم المشكلة ويزيدها تعقيدًا؟
لماذا الإصرار على التقاعد المبكر لموظفي القطاع العام، ونحن نسمع صرخات المتضرّرين وارتجاف الخائفين على مستقبلهم، لما لهذا القرار القسري من أضرار مادية ونفسية على المواطن الذي وُجدنا جميعًا لخدمته؟
لماذا نرفض النظر إلى رواتب الموظفين والمتقاعدين في القطاعين العام والعسكري، ونحن نعلم جميعًا أنّها تآكلت ولم تعد قادرة على تلبية الحد الأدنى من متطلّبات المعيشة، نظرًا لتراكم الديون والمطالبات والمخالفات؟
لماذا نصرّ على عدم سماع مطالبات الناس بإصدار عفوٍ عامّ ضمن محدّدات تراعي الحقوق وتحميها، وتمنح أملًا وفرصة جديدة لأبنائنا للعيش من جديد ضمن أسس وقيود تستثني الجرائم البشعة التي يتفق عليها جميع الأردنيين؟
وبما أنّنا ندعو إلى استدارة داخلية، لماذا لا نفتح صفحة جديدة بين المواطن والدولة، ونبدأ مرحلة جديدة مبنية على الثقة والوضوح، ننطلق من خلالها إلى النهوض وبناء الدولة التي نريد؟