تحذيرات النخب الإسرائيلية وقلق الحلفاء
علي ابو حبلة
تشهد إسرائيل واحدة من أكثر مراحلها اضطرابًا منذ قيامها، إذ لم تعد أزماتها محصورة في جبهاتها الخارجية، بل باتت تهدد تماسكها الداخلي وهويتها السياسية. المجتمع الإسرائيلي، الذي طالما تغنّى بوحدته في مواجهة «الخطر الخارجي»، يواجه اليوم خطرًا أشد: التفكك الذاتي وتآكل منظومته الديمقراطية.
في هذا السياق، حذر رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك من أن إسرائيل «تقترب من نقطة اللاعودة»، داعيًا إلى تحرك عاجل «لوقف تدمير إسرائيل من الداخل». ويرى باراك أن سياسات بنيامين نتنياهو، خاصة ما يتعلق بإضعاف القضاء وتمرير قوانين تمس استقلال المحكمة العليا، تشكل انقلابًا على جوهر النظام الديمقراطي. إقرار قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، وتصاعد نفوذ التيارات الدينية، كشفا عن انقسام حاد يضرب قلب المجتمع الإسرائيلي بين العلمانيين والمتدينين.
تحذيرات باراك ليست معزولة. المفكر الإسرائيلي دينيس شاربيط يرى أن إسرائيل «لم تعد تعمل كدولة طبيعية»، بسبب غياب دستور يحدد صلاحيات السلطات وتزايد تغوّل الدين في السياسة. أما الباحثان نوام جدرون ويانيف روزناي، فيحذّران من «تآكل ديمقراطي ممنهج»، يهدد بتحويل إسرائيل إلى نظام استبدادي مقنّع.
تقارير معهد دراسات الأمن القومي (INSS) والمعهد الإسرائيلي للديمقراطية (IDI) أكدت هذا الاتجاه، حيث أشار الأخير إلى أن 58% من الإسرائيليين يعتقدون أن الديمقراطية في خطر، وأن الثقة بالمؤسسات السياسية بلغت أدنى مستوياتها منذ عقدين. هذا التراجع يعكس حالة فقدان ثقة شاملة تطال الحكومة والقضاء والجيش والإعلام.
الأزمة الداخلية لم تبقَ حبيسة السياسة، بل امتدت إلى المؤسسة الأمنية التي تواجه انقسامات غير مسبوقة. فقد شهدت وحدات الاحتياط في الجيش موجات رفض للخدمة احتجاجًا على التعديلات القضائية. هذا الانقسام، وفق خبراء الأمن الإسرائيليين، يهدد بتحويل الجيش من مؤسسة وطنية جامعة إلى أداة حزبية، ويضعف قدرته على مواجهة التحديات الإقليمية في ظل تصاعد المواجهة في غزة وتوترات الشمال مع حزب الله.
في مواجهة هذا الانهيار، دعا باراك إلى عصيان مدني سلمي واسع النطاق يشمل إضرابات واحتجاجات لإجبار الحكومة على التراجع عن سياساتها، محذرًا من أن «التردد يعني القبول بانهيار إسرائيل وتحولها إلى نظام ديني متطرف يناقض جوهر الصهيونية نفسها».
التحذيرات لم تعد حكرًا على الداخل، بل وصلت إلى الحلفاء التقليديين. ففي مقابلة مع مجلة TIME، قال الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب إن نتنياهو «فقد السيطرة على الأوضاع الداخلية»، مضيفًا:
> «Bibi, you can’t fight the world the world’s against you.»
وأكد ترامب أن استمرار سياسات الضم وتجاهل القانون الدولي قد يؤدي إلى تقويض الدعم الأمريكي لإسرائيل، في إشارة نادرة إلى تراجع الثقة الأمريكية بالحكومة الإسرائيلية الحالية.
أمام هذا المشهد، تتعرض صورة إسرائيل الدولية لتآكل متسارع، بعدما كانت تروّج لنفسها كـ»واحة ديمقراطية في الشرق الأوسط». التحولات الأخيرة أظهرت – بحسب مراقبين غربيين – أن الدولة العبرية تتجه نحو نظام ديني قومي استبدادي، يكرّس الإقصاء والهيمنة بدلاً من المساواة والمواطنة.
إنّ ما تشهده إسرائيل اليوم هو أزمة هوية وشرعية قبل أن تكون أزمة حكومة أو ائتلاف. فالمجتمع منقسم، والمؤسسات مهتزة، والثقة بالقيادة السياسية في أدنى مستوياتها. وإذا لم تستطع النخبة الإسرائيلية إعادة ترميم التوازن بين الدين والدولة، واستعادة ثقة الجمهور بالمؤسسات، فإن خطر التفكك الذاتي سيكون أكبر من أي تهديد خارجي.
كما قال باراك، «مستقبل إسرائيل لن يُحسم في ساحة المعركة، بل في قدرتها على إنقاذ نفسها من نفسها».