السودان وأهلها... أمانة في أعناقنا يا عرب

محمد علي الزعبي

السودان تنزف... والدم العربي يسيل على أرضٍ كانت يومًا عنوان الخير والنيل والنخلة والقمح، وصارت اليوم مسرحًا لوجعٍ لا يشبه إلا نكبات التاريخ، الخرطوم التي كانت تفتح ذراعيها لكل عربي، تئنّ اليوم تحت ركام حربٍ عبثيةٍ تمزّق الجسد وتكسر الروح، وتترك شعبًا بأكمله يواجه مصيره وحده في زمنٍ قاسٍ جفّت فيه الضمائر وتبدّدت فيه النخوة.

ما يحدث في السودان ليس مجرد صراع على سلطة أو نفوذ، بل هو إبادة جماعية مكتملة الأركان، تشهدها القرى والحواضر بصمتٍ عالميٍ فاضح. مشاهد النزوح، الأطفال الجياع، الأمهات اللواتي يدفنّ أبناءهنّ بأيديهنّ، والمدن التي غاب عنها صوت الأذان وارتفع فيها أنين المقهورين — كل ذلك يختصر حكاية وطنٍ عظيمٍ يواجه قدره وسط تفرّقٍ عربيٍ مؤلم.

كيف نقبل، ونحن العرب، أن تُغرق أرض النيل بدماء أبنائها؟ كيف نُدير وجوهنا عن المأساة وكأنها لا تخصنا؟ السودان أمانة في أعناقنا، ومن يفرّط في الأمانة يفرّط في العروبة ذاتها، إنّ واجبنا اليوم ليس مجرد بيانات شجبٍ أو جلسات دبلوماسية باردة، بل موقف حقيقي فاعل يُوقف نزيف الدم، ويعيد للسودانيين حقّهم في الحياة، في الأمان، في الكرامة.

فلنرفع الصوت عاليًا ،، أوقفوا الحرب في السودان، أوقفوا نزيف الأبرياء، أوقفوا الخراب قبل أن تمتد نيرانه إلى كل بيتٍ عربي، ليكن هناك تحرك عربي صادق، مبادرة إنسانية موحّدة، ولتتحرك الجامعة العربية بضميرٍ قومي لا بلغةٍ بيروقراطية، فالسودان ليس هامشًا من الوطن العربي، بل قلبه الجنوبي النابض، وإن توقف نبضه خسرنا جميعًا شيئًا من عروبتنا.

يا قادة العرب،،، يا من تحملون في أعناقكم أمانة أمةٍ ورسالة تاريخٍ لا تُنسى، إنّ السودان اليوم يصرخ باسم العروبة، يستنجد بنخوة الأشقاء قبل أن تُطفئ الحرب آخر شمعة أملٍ فيه، لا تتركوا الخرطوم تُدفن تحت رماد الصمت، ولا تجعلوا من نيلها شاهدًا على خذلاننا.

افتحوا أبواب المساعدة، وحركوا الدبلوماسية العربية بضميرٍ حيٍّ ووجدانٍ قومي، فالأمة التي تسكت على دماء أبنائها تفقد معناها وتاريخها،
فلنكتب اليوم موقفًا يليق بالرجال، موقفًا يُعيد للسودان روحه، وللعرب كرامتهم، فالسودان ليست بعيدة عن قلوبنا، ولا غريبة عن وجداننا، هي مرآة أوطاننا، وإن انكسرت، انكسر فيها وجه العروبة كلّه.
اللهم احفظ السودان وأهله، واجعل للعروبة صوتًا يعلو فوق أصوات البنادق.