كيف نعيد الحركة التجارية إلى شرايين الاقتصاد الأردني؟
ماجد احمد السيبيه
تشهد الأسواق الأردنية في السنوات الأخيرة ركودًا واضحًا في الحركة الشرائية. فالمتاجر تفتح أبوابها على أملٍ محدود، والمستهلكون يقيّدون مشترياتهم بما هو ضروري فقط. ما كان في البداية انكماشًا موسميًا أصبح سلوكًا اقتصاديًا عامًا يعكس خللًا أعمق في توازن السوق بين الدخل والإنفاق، ويطرح أسئلة عن جدوى السياسات الاقتصادية المتبعة وجدّية الخطط التحفيزية.
الأرقام لا تخطئ. معدل البطالة ما زال مرتفعًا عند 21.3% في الربع الأول من عام 2025، رغم التحسن الطفيف عن العام الماضي الذي بلغ فيه المعدل 21.4%، فيما تظل فجوة البطالة بين الجنسين واسعة، إذ تصل بين الإناث إلى نحو 32% مقابل 18% للذكور. أما الاستثمار الأجنبي المباشر، فرغم تحسنه في النصف الأول من العام الحالي ليصل إلى نحو 1.05 مليار دولار، إلا أنه لم يخلق بعد الأثر المطلوب في خلق فرص عمل وتحريك السوق المحلية.
المشكلة إذن ليست في نقص النشاط التجاري فحسب، بل في ضعف القوة الشرائية وتراجع السيولة. المواطن الأردني يواجه ارتفاعًا مستمرًا في الأسعار والضرائب، مقابل دخول شبه ثابتة. المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد، تعاني من شروط تمويل صعبة وتشريعات متقلبة تزرع التردد في أي توسع أو استثمار جديد.
ولعلّ أخطر ما في الصورة هو التفاوت الجغرافي. فبينما تبقى عمّان وبعض المدن الكبرى مركز النشاط التجاري، تعيش المحافظات والأطراف ركودًا عميقًا، تُغذّيه البطالة العالية وضعف المشاريع الإنتاجية وقلة فرص العمل المستدامة.
لكن معالجة هذا الواقع لا تكون بالتشكي وحده. المطلوب أولًا مراجعة جادة للسياسات الضريبية لتتحول من أداة جباية إلى أداة تحفيز، عبر تخفيف الأعباء على القطاعات المنتجة، وتقديم إعفاءات مؤقتة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وإعادة هيكلة الرسوم المتعددة التي أرهقت المستثمرين. كما يجب ترسيخ استقرار التشريعات الاقتصادية، فالمستثمر يحتاج إلى وضوح في القواعد أكثر من حاجته إلى الامتيازات.
أما القطاع الخاص، فعليه أن يغادر دور المتفرّج، ويبدأ في تكييف عرضه مع تغيرات الطلب، من خلال التسعير المرن، وتطوير خدمات البيع الإلكتروني، وإطلاق مبادرات مشتركة لتشجيع الشراء المحلي مثل حملات “اشترِ أردنيًا” أو “صنع في الأردن”.
في الوقت نفسه، لا يمكن فصل تنشيط الحركة التجارية عن ملف البطالة والفقر في المناطق النائية. الحل يكمن في توجيه الاستثمار إلى الأطراف من خلال مشروعات تحويلية صغيرة، تستغل الموارد المحلية وتخلق فرص عمل حقيقية. المناطق الصحراوية والغورية تمتلك موارد طبيعية وبشرية يمكن أن تكون قاعدة لنشاط زراعي وصناعي متخصص، إذا ما توافرت الحوافز والبنية الأساسية المناسبة.
الاعتراف بالخلل ليس ضعفًا بل بداية الإصلاح. فخروج بعض المستثمرين من السوق لم يكن سببه غياب الرغبة، بل غياب الثقة الناتجة عن تذبذب القرارات وازدواجية الرسوم. إعادة هذه الثقة تتطلب حوارًا مستمرًا وشفافًا بين الحكومة وغرف التجارة والصناعة، يكون هدفه وضع خطة ثلاثية السنوات واضحة المعالم ومبنية على استقرار القوانين وتبسيط الإجراءات.
الاقتصاد الأردني يمتلك من المرونة ما يكفي ليستعيد حيويته، شرط أن تتوقف السياسات عن الدوران في الحلقة نفسها. إن تنشيط الحركة التجارية ليس ترفًا، بل ضرورة لحماية النسيج الاجتماعي من ضغوط البطالة والفقر. الطريق يبدأ من تشخيص واقعي، يليه تعاون صادق بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع، حتى تعود الأسواق نابضة بالحياة، ويعود الأردني إلى الإنفاق بثقة لا بخوف.