الدكتور الغوادرة يكتب: القضاء الشرعي في الأردن
القاضي د. عامر الغوادرة
قال الله تعالى:
ولا يجرمنّكم شَنَـَٔانُ قومٍ على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقربُ للتّقوى. صدق الله العظيم.
أرسلَ لي غيرُ واحدٍ يسألني عن حقيقيةِ اللّمز الّذي رُمِيت به دائرةُ قاضي القضاة،، ممثّلةً بأصحاب السّماحةِ وأصحابِ الفضيلة قضاة الشّرع الشّريف.
ولقد آلمني في كثيرٍ من التّعليقاتِ قُبحُ الألفاظِ وجورُها،، وبشاعتُها وعَوَرُها،، ما بين طاعنٍ بذواتِ القضاةِ وأخلاقِهم،، وبين مُشكّكٍ في مصداقيّتِهم ونزاهتِهم وإنجازاتِهم.
وإنْ كان منشوري هذا هو شهادةُ فرعٍ لأصل،، إلّا أنّ المتتبّع لمقالاتي يعلم كم أنّي لا أُداهِنُ في مواقفي من قضايا وطني وامّتي.
وإنّ شهادتي الّتي أكتُبها اليوم هي من قبيل قول النّبيّ عليه الصّلاةُ والسّلام: من ردَّ عن عِرضِ أخيه ردَّ الله عن وجهِهِ النارَ يوم القيامة.
ومن محاسنِ الصُّدف أنّي قد كتبتُ قبلَ ما يزيدُ على خمسة أشهر منشوراً أتباهى فيه بدائرة قاضي القضاة.
كتبت فيه ما ألقى الله به:
أنتِ الجَلالُ ومَهْدُ العِلمِ والقِيَمِ.. سـلوى اليتيمِ وحِصنُ الحقِّ والرّحِمِ.
عطاؤكِ الغَضُّ كَحِبرٍ سالَ في قَلَمِ.. سـلامٌ عليكِ، كَسِلْم الأشهُرِ الحُرُم.
جِهازُكِ العَدلُ كنجمٍ عَلا على عَلَمِ.. سمحٌ مهيبٌ كبحرٍ ماجَ من الكرم.
مِدادٌ سَـخِيٌّ كَنَهْـرٍ جاءَ من القِمَمِ.. عالِمٌ تقيٌّ، كغيـثٍ فاضَ من النِّعَمِ.
وما كان اعتزازي في الدّاىرةِ الكريمةِ اعتزازَ المُتكسِّب الفقير،، وإنّما اعتزازُ من لمسَ في إنجازاتها الشيءَ الكثير..
فعلى صعيد الإنجازات الشّخصية:
تمكّنتُ وكثيرٌ من أصحابِ الفضيلة،، وبتأييدٍ وثناءٍ من أصحابِ السمّاحة من إكمالِ دراستنا الجامعيّة لمرحلة الدّكتوراة،، إيماناً منّا جميعاً بالأثر الّذي يعكسه العلمُ على سلوكِ القاضي وإنجازاتِه.
ولمن لا يعلم: فإنّ دائرتنا الكريمة تعجُّ بحملة الدّكتوراة في الشّريعةِ الإسلاميّة،، ولكم أن تتصوّروا ما تعكسهُ هذه القيمةُ الّتي حرص عليها أصحاب السّماحة من أثرٍ على الأداء الّذي ترنو له كلّ مؤسّسةٍ قويمة.
انتسبتُ وأصحابُ الفضيلة وبأمرٍ من أصحاب السّماحة لعدّة دوراتٍ مكثّفة في مجالات متنوّعة تصبُّ جميعُها في الارتقاء بالمنظومة القضائية على وجهٍ يخدم التّوجّهات الملكيّة والبرامج الوطنيّة.
لا زلتُ وكثيرٌ من أصحاب الفضيلة وبتوجيهٍ من أصحاب السّماحة نمارسُ في مجتمعاتنا رسالتنا الدّعويّة كخطباء ومدرّسين ومصلحين،، ونعمدُ جاهدين أن نكون على قدر الأمانة الّتي حملناها والثّقة الّتي مُنحنا إيّاها..
ولا يخفى على علمِ كلّ قاضٍ منّا: أنّه ما كان ينعقدُ اجتماعٌ الّا ويحرصُ أصحابُ السّماحة ومن وُكِلت لهم أعمالُ الإدارة على تذكير أصحابِ الفضيلة بقيمتِهم المُجتمعيّة ومكانتِهم الدّينيّة بما يُوجبُ عليهم تقويم سلوكهم وتحسين أدائهم والعدل في قضائهم.
ولولا حاجةً في نفسِ يعقوب قضاها،، لأوردتُ لكم من أسماء أصحاب الفضيلة ما يفرضُ على المُنصف أن يُعْظِمَ عِلمَهُم،، وينحني إجلالاً لصفاتِهم،، ولا شكّ أنّ صاحبي السّماحة على رأسِهم.
وإنّي لأعجبُ ممّن يتسخّطون ويتقوّلون على دائرةٍ فيها من الجمالِ ما لا يقوى مشهدٌ فرديّ أو سلوكٌ أُحاديّ على طمسه وتشويهه.
ولكن كما قيل: وعينُ الرّضا عن كُلّ عيبٍ كليلةٌ،، ولكنّ عين السّ5خطِ تُبدي المساويا.
وإنّ الظّالم من يغضّ بصره عن محاسنِ الدّائرة العظيمة، ويلتفتُ إلى نادرٍ من خللٍ لا حُكم له،، مبتغياً بذلك وجه نفسه والشّيطان.
ولعلّ قول الله ينطبقُ على كثيرٍ منهم: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ.
وإنّي اليومَ وبعد ثمانيةَ عشرَ عاماً خدمتُها في ملاكِ دائرةِ قاضي القضاة،، أقف أمام صرحٍ عظيم،، ومعقلٍ من معاقلِ الشّريعة قويم،، شاهداً على إنجازاتٍ لا يُنكرها إلا جاحد،، وتضحياتٍ لا يعمى عن فضلِها إلا حاقد.
وكما قال المتنبّي: وليس يصحُّ في الأذهان شيءٌ،، إذا احتاج النّهارُ إلى دليل.
ولعلّنا بإنجازاتِنا لم نلمس الشّمس ولم نبلغ النّجوم،، لكنّنا رسمنا طريقاً نسير فيه نحو المجد والإبداع والرّيادة.
طريقٌ رأينا فيه رؤية دائرة قاضي القضاة وتطلّعاتِها المنسجمة مع رؤى جلالة الملك وتطلّعاته وبما يتماشى مع البرامج الوطنيّة التنمويّة.
رأينا فيه حرص الدّائرة وجدّها في تجسيد رؤية جلالة الملك في تحقيق التّحوّل الرّقمي من خلال تحسين خدمات الدّائرة الإلكترونيّة وتعزيز البنية التّحتيّة الرّقميّة وتنمية المهارات الرّقمية،، شيئا لمسناه واقعا لا ضربا من الخيال.
رأينا فيه المحكمة العليا الشّرعيّة ودورها في إصدار المبادئ الّتي تُساهم في ضبط الاجتهادات القضائيّة.
رأينا فيه النّيابة العامّة الشّرعية ودورها الرّائد في تحريك الحقّ العام حفظاً لحقّ الله تعالى والحقوق العامّة والخاصّة.
رأينا فيه معهدَ القضاءِ الشّرعي ودورُه الملموس في إعداد الدّورات التّدريبيّة والشّراكات الجامعيّة الّتي تُسهم في رفعة العمل القضائي والأمن المجتمعيّ.
رأينا فيه مديريّة الإصلاح الأسريّ ودورُها في نشر الوعي وتقديم الاستشارات وإنهاء النّزاعات الأسريّة بصورةٍ لائقةٍ وقانونيّة.
رأينا فيه مديريّة تكنولوجيا المعلومات الّتي لا تألوا جهدا في إعداد الخدمات وتطويرها على وجهٍ يسهلُ من خلاله إنجاز المعاملات واستخراج المعلومات وضبط المحاكمات، بصورةٍ تتّسم بالسّرعة وقلّة الحاجة إلى الوقتِ والمرفقات.
رأينا فيه مديريّة التّنفيذ القضائيّ الّتي تُعنى بتقديم الخدمات اللازمة والّتي من شأنها تسهيلُ الوصول إلى الحقّ، وما بطاقةُ الأسرة وصندوق تسليف النّفقة وأزمة كورونا إلّا أمثلةٌ على الدّور العظيم الّذي قامت به الدائرة الكريمة لهذه الغاية.
رأينا فيه مديريّة التفتيش القضائيّ الّتي تُعنى بتحسين كفاءة الأداء وضمان الالتزام بالمعايير والضوابط القضائية.
رأينا فيه أيادٍ مخلصة،، أمسكت بمعولٍ من نور،، هدمت به جدارَ المُستحيل، وصنعت من حُطامِه المُمكن.
ولو كان المقامُ يتّسع لذكرتُ من عظيم الدّور الّذي تبذله دائرة قاضي القضاة في مواكبة التّطوّرات ومواجهة التّحديّات ما يعكس مدى حرص أصحاب السّماحة والفضيلة أن يكونوا دوماً في طليعة من يحقّقُ الرُّؤى الملكيّة والوطنيّة.
وكلّي أسفٌ والله كيف هان على البعض أن يُسلم معقلا شرعيّا كريماً لأفواهٍ لا تعرف لأهل الفضل فضلا ولا لأهل العلم قدرا،، فخاضوا في أعراضهم وانتقصوا من قدرهم،، متناسيا قوله عليه الصّلاةُ والسّلام: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه.
ومن قصص العدل: أنّ رجلاً استأجر عاملاً ليبذر له الحبّ،، فنبتَ كلّ الحبّ إلا مقدار ذراع،، فصار النّاس كلّما مرّوا بالأرض قالوا لصاحبها،، لقد جار عليك العامل ما شأن هذا الذّراع لم ينبت،، فقال صاحبُ الأرض: قد نبت ما بذره ولم يبق للذّراع من حبّ،، ما ظَلَمَنا العامل ولكنّكم قومٌ تستعجلون.
والعظيم من لا يُشغله ثُقب الثّوب عن جمال وجلال لابسه.. جزى الله أصحاب السّماحة والفضيلة على ما بذلوه ويبذلونه في خدمة دينهم ووطنهم ودائرتهم خيرَ الجزاء.
كتبته ولا ابتغي إلا وجه الله في إنصاف من لهم علينا حقّ الإنصاف.