عنف الجامعات... أزمة الفكر و سطوة العصبية
ماجد احمد السيبيه
لم تكن حوادث العنف الأخيرة في جامعاتنا مجرد مشاجرات بين طلبة، بل صرخة مؤلمة تقول إن شيئًا عميقًا اختل في منظومة الوعي والسلوك. لم يعد الأمر خلافًا على رأي، بل صراعًا على انتماء، وغلبةً للعضلة على الفكرة. والمفارقة أن هذا يحدث في المكان الذي وُجد أصلاً ليهزم الجهل بالعقل، لا ليكرّسه بأشكال جديدة.
تشير الإحصاءات إلى أن حوادث العنف في الجامعات الأردنية ليست حدثًا عابرًا: بين 2010 و2013 سُجّلت نحو 296 حالة شجار بمشاركة حوالي 4 آلاف طالب، وأسفرت عن 7 حالات وفاة وإصابات متفاوتة الخطورة. هذه الأرقام، وإن لم تغطِ كل الجامعات، تكشف حجم المشكلة ومدى الحاجة لتدخل فوري ومنهجي.
كل مرة تُرفع فيها الأيادي بدل الحروف داخل أسوار الجامعة، نخسر أكثر من طالب أو مبنى أو سمعة. نخسر الفكرة التي لأجلها وُجدت الجامعة: أن تكون بيتًا للحوار، ومنصة لتصادم الآراء لا لتصادم الأجساد.
لكن ما يجري لا يمكن فصله عن السياق الاجتماعي الأوسع؛ فالعنف الجامعي هو مجرد وجه مصغر لعنفٍ يوميٍّ يتسلل من البيت إلى الشارع، ومن الشارع إلى الصف، ومن الصف إلى المقهى والوظيفة والمركز التجاري. نُطبع مع الغضب ونسميه "رجولة"، ونغلف العصبية بثوب "الكرامة"، بينما الحقيقة أن كرامة الإنسان في ضبطه لا في انفعاله.
الجامعة ليست مسؤولة وحدها، لكنها اليوم مطالَبة بأن تنهض بدور أكبر. أن تكون بيئة تصنع وعيًا، لا تكرّر ما في الخارج. أن تعيد الاعتبار للأنشطة الفكرية والثقافية التي غابت لصالح الجداول الجامدة. أن تفعّل الإرشاد النفسي والاجتماعي، وتُدرّب الأساتذة على قراءة مؤشرات الخطر قبل أن تتحول إلى دماء. أن تعيد بناء الثقة بين الطالب والإدارة، وتفتح قنوات الحوار بدل لغة العقوبات فقط.
وفي المقابل، على الأسرة أن تكفّ عن تدليل العصبية في أبنائها وكأنها شجاعة، وعلى الإعلام أن يتوقف عن تقديم العنف كعرض عابر في نشرات الأخبار. فالعنف الجامعي ليس "قصة اليوم"، بل مرآة لغدٍ نشارك جميعًا في رسم ملامحه.
الغضب اليوم مبرر، لكنه غضب المحب الذي يخاف على بيت العلم من أن يتحول إلى ساحة صراع. لا نريد جامعات تخرّج أصحاب شهادات فحسب، بل أصحاب وعي. نريد أن تعود الجامعة إلى معناها الحقيقي: فضاءً يُنتج فكرًا، لا يُنتج خوفًا.