العنف الجامعي
بقلم المحامي الدكتور سليمان ابو عتمة
التعليم حق دستوري يعترف به الدستور الأردني، وهو أيضاً حق إنساني أساسي تنص عليه المعاهدات الدولية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يوجب هذا الحق على الدولة اتخاذ خطوات لضمان حصول جميع الأفراد على التعليم بشكل متساوٍ، فلا يعتبر التعليم امتيازاً، بل حق من حقوق الانسان، ضمن القانون حق التعليم للجميع دون أي تمييز، وعلى الدولة أن تلتزم بحماية الحق في التعليم واحترامه وإعماله، ويلعب التعليم دوراً محورياً في حياة وثقافة المجتمع الأردني، ويعد التعليم الجامعي أحد الركائز الأساسية في مسيرة التنمية الشاملة، لما له من دور محوري في إعداد الكفاءات البشرية القادرة على قيادة مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، ورفد سوق العمل بالايدي العاملة المتعلمة من خريجي الجامعات، وفي الأردن (32) جامعة، منها (10) جامعات حكومية، و (19) جامعة خاصة، وجامعتان تعملان بقانون خاص، وجامعة إقليمية واحدة.
وبلغ إجمالي عدد طلاب الجامعات في الأردن للعام الجامعي 2024 – 2025 حوالي (474618) طالباً، منهم (46362) طالباً وافداً، وبلغ عدد الطلاب الأردنين (426256) طالباً، واعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن إجمالي عدد الطلبة الذين تم قبولهم في البرنامج العادي (التنافسي) لمرحلة البكالوريوس في الجامعات الأردنية الرسمية للعام الجامعي 2025 – 2026 بلغ (38131) طالباً وطالبة.
وتعتمد شروط الالتحاق بالجامعات الأردنية على الجامعة والتخصص، لكنها تشمل بشكل عام الحصول على شهادة الثانونية العامة الأردنية أو ما يعادلها، وتحقيق معدل القبول للتخصص، ويوجد منح دراسية للجامعات الاردنية وشروطها تعتمد على نوع المكرمة مثل مكرمة أبناء العشائر التي تشترط الدراسة في مدارس معينة مثل مدارس البادية والمدارس ذات الظروف الخاصة، ومكرمة أبناء المعلمين، وأبناء العسكرين، وأبناء المخيمات.
وبين الحين والأخر تبرز ظاهرة العنف الجامعي، وان المتتبع لظاهرة العنف الجامعي يلمس ان جذورها مجتمعية نظراً للتركيبة السكانية وينتشر هذا اللون من العنف المجتمعي داخل جامعاتنا وبين طلبتنا لأسباب مجتمعية متعددة.
فالعنف من الظواهر والسوكيات السلبية التي تنتشر في الجامعات، ويمارس من قبل فئة من الطلبة، وحظي موضوع العنف والمشاجرات الطلابية في الجامعات باهتمام بالغ على مختلف الصعد والمستويات الرسمية والشعبية.
فظاهرة العنف موجودة على مر الزمان، وليست مقصورة على العصر الحالي، فالعنف الجامعي ظاهرة متكررة تحدث بين الطلبة في الجامعات، و هي ظاهرة تعد من السلوكيات العدوانية التي تسببت بمشكلات مختلفة بين الطلبة، واهم هذه السلوكيات هي: الاعتداء الجسدي ، والاعتداء اللفظي، وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة داخل الحرم الجامعي وخارجه.
ولتشخيص ظاهرة العنف الجامعي ينبغي البحث عن الدوافع والأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة ووضع الحلول الموضوعية لمعالجتها وبمشاركة جميع مؤسسات الدولة.
وهناك اسباب كثيرة ومتعددة تؤدي إلى حدوث ظاهرة العنف الجامعي فمنها: الإقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، واهمها ضعف التربية داخل الأسرة، وسياسات واسس القبول في الجامعات، وتغليب الانتماءات الضيقة العشائرية والعائلية على الانتماء الوطني والاحتماء خلف العائلة والعشيرة، وسياسات واسس المنح والمكارم الملكية، وضعف العقوبات سواء الجزائية أو التاديبية داخل الجامعات.
فالعنف الجامعي ليس ظاهرة محلية بل ظاهرة عالمية تتجذر في عوامل مجتمعية ونفسية وتعليمية، وتغذى من ممارسات سياسيىة واجتماعية، تتركز أسبابها على ضعف المهارات الشخصية، وتراجع القيم التربوية، وتأثير الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، مما يستدعي حلولاً شاملة تعزز ثقافة الحوار، ومن أشهر حوادث العنف الجامعي في العالم مذبحة جامعة تريساكتي في اندونيسيا.
وان ظاهرة العنف الجامعي وان لم تعالج وتجفف منابعها فإنها تهدد السلم والأمن في المجتمع الأردني، فالاسباب التي تؤدي الى وقوع المشاجرات بين الطلبة وان بدت بسيطة الا انها تمتد وتتعمق وتؤثر نتائجها سلباً على المجتمع الاردني ومؤسساتنا التعليمية وسمعة التعليم الجامعي في الاردن.
فيمكن القضاء على العنف الجامعي في الأردن من خلال مجموعة من الحلول المتكاملة، مثل تعزيز دون الأمن الجامعي وتدريبه، وتغليظ العقوبات وتطبيقها بحزم، وإشراك الطلاب في الأنشطة الهادفة، ووضع حلول مجتمعية جذرية.
الهجوم على الجامعات الأردنية من قبل البعض بسبب العنف الجامعي أمر غير مبرر ولا يبنى على اسس موضوعية، فالتربية تبدأ في البيت والعائلة، ولا بد ان تتكاتف الجهود من حيث تدخل السلطة التنفيذية (الحكومة) بتعديل اسس القبول في الجامعات وتشديد العقوبات التأدبية في انظمة الجامعات، وتعديل شروط الحصول على المنح والمكارم الملكية حتى لا تمنح لمن لا يستحقها، وتدخل السلطة التشريعية ( مجلسي النواب والاعيان) بتغليظ العقوبات الجزائية وتجريم العنف الجامعي بكل أشكاله وانواعه، وتدخل السلطة القضائية بمعاقبة و مجازاة كل من يحدث عنف داخل الجامعات وعدم التهاون بتطبيق القانون والضرب بيد من حديد على كل من يسيء لجامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية.