بين النرجسية وجنون العظمة
تناولت الأسطورة الإغريقية شخصية "نرسيس"، ووصفته بالنرجسي؛ هذا الشاب الذي وقع في حب صورته المنعكسة في الماء إلى درجة أنه مات من الانبهار بنفسه، حين أصابه العمى عن الواقع الذي يعيشه، وأنكر وجود الآخرين.
فهو أنطولوجيٌّ وجوديٌّ، أي يظن أن وجوده هو الأهم بلا شك ولا منازع، وأنه الوحيد الذي يعرف الحقيقة، ولا يعترف برأي الآخرين مطلقًا، ولا يؤمن بالقيم الأخلاقية مثل التواضع والرحمة.
النرجسي يصنع صورة مثالية لنفسه، ويتخيلها شخصية فريدة لا مثيل لها، وهي في الحقيقة صورة غير واقعية، مجرد خيال لا أكثر، رغم أنه إنسان فارغ من الداخل.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل النرجسي يحاول تحطيم أي شخص ناجح؟
الجواب: نعم، لأن نجاح الآخرين يهدد صورته المثالية التي صنعها عن نفسه الهشّة. لذلك يلجأ إلى تحقير إنجازات الآخرين، إما بالسخرية، أو بالاستهزاء، أو بسرقة إنجازاتهم ونسبتها إلى أشخاص آخرين لا قيمة اعتبارية لهم، بل وقد ينسب الإنجاز إلى أشخاص ماتوا قبل مئة عام.
وهل النرجسي خطر على المجتمع؟
نعم، فهو يؤذي نفوس المجتمع بحديثه النرجسي، ويركز على فرض سلطته بدل تمكين الجميع، ويخلق بيئة سامة وسلبية حين يحاول إقناع المجتمع بأنه البديل الوحيد، وأنه القادر على قيادة الدفّة بلا منازع.
النرجسي مكشوف للمجتمع ومنبوذ، وحين يفشل في الترويج لصورته المزيفة، يبدأ بالشتم وتحقير الآخرين، لأنه يعتقد أنه الأحق والمخلِّص، رغم أنه فاشل وبلا أخلاق.
وفي نهاية المقال، يقول الشاعر الكبير محمود درويش:
> نرسيس ليس جميلاً كما ظنُّوا
لكن صُنَّاعَهُ ورَّطوهُ بمرآته
فأطال تأمُّلَه في الهواء المُقطَّر بالماء
ولو كان في وسعه أن يرى غيره
لأحبّ فتاةً تُحدِّق فيه وتنسى الأيائل
وتركض بين الزنابق والأقحوان
ولو كان أذكى قليلاً
لحطَّم مرآته
ورأى كم هو الآخرون
ولو كان حرًّا
لما صار أُسطورة.
رامي عبدالله الجنيدي