انتفاضة جامعات أردنية على تصنيف "التايمز" بين المؤيدين والمعارضين

- أكاديميون: الانسحاب احتجاجا على معايير الشفافية

- دعوات للاهتمام بجوهر العملية التعليمية ومصادر المعرفة بعيدًا عن هوس التصنيفات والأرقام

أثار قرار انسحاب جامعات أردنية من تصنيف "التايمز” للتعليم العالي (THE) تفاعلا واسعا في الأوساط الأكاديمية والإعلامية، إذ انقسمت الآراء بين من اعتبر الخطوة موقفا شجاعا دفاعا عن الشفافية والنزاهة الأكاديمية، ومن رأى فيها تحديا جديدا أمام الجامعات للحفاظ على حضورها الدولي دون الاعتماد على التصنيفات التجارية.

وفي خضم هذا الجدل، أوضح أكاديميون في تحليلاتهم أن الانسحاب ليس انسحابا من المنافسة، بل محاولة لإعادة تعريف معايير الجودة وفقًا لأولويات وطنية تعكس هوية التعليم الأردني واستقلاليته.

بدوره، اعتبر رئيس قسم البحوث والدراسات في اتحاد الجامعات العربية، الدكتور نجم العيساوي، أن قرار انسحاب جامعات أردنية جاء احتجاجا على نقص الشفافية والتغييرات المستمرة في منهجية احتساب المعايير التي يتبعها تصنيف "التايمز"، وهو ما أكدته الجامعات في بياناتها بأن الإطار الحالي للتصنيف لم يعد قادرا على توفير تمثيل حقيقي وعادل لأدائها الأكاديمي الشامل ومساهمتها التنموية.

ورأى العيساوي أن القرار منطقي، لكون هذه المخاوف تعكس شعورا لدى المؤسسات التعليمية بأن التصنيف يركّز بشكل مبالغ فيه على نتائج قابلة للقياس الكمي، مما قد يخلق حوافز زائفة تتعارض مع الأهداف الأكاديمية الجوهرية للجامعات.

وأشار إلى أن الجامعات في بياناتها أكدت أن التصنيف لم يعد مطمئنا من حيث النزاهة والشفافية، خاصة بعد أن أدخل "التايمز" نظام اشتراك مدفوع للمشاركة في تصنيف تأثير الجامعات، وهو إجراء يمثل حاجزا يعيق التقييم العادل والنزيه لمساهماتها في التنمية المستدامة، مما يتعارض مع مبادئ الشفافية ويشوّه عدالة التصنيف.

وأضاف العيساوي في حديث إلى  أن قرار الانسحاب لم يكن أردنيا فقط، بل سبقت إليه مؤسسات أكاديمية مرموقة عالميًا، أبرزها جامعة السوربون في فرنسا، وجامعة زيورخ في سويسرا، وجامعة أوتريخت في هولندا، إلى جانب الجامعة الأميركية في بيروت.

وأوضح أن نظرة الجامعات الأردنية للتصنيف كانت ثاقبة، إذ تخشى أن تمضي في تصنيف لا يلبّي تطلعاتها، مؤكدة حرصها على الحفاظ على سمعتها الأكاديمية ومكانتها بين الجامعات العالمية.

ولفت إلى أن هذه الانسحابات المتعددة عززت رسالة مفادها وجود اعتراض متزايد على منهجية "التايمز"، مما يدفع الجامعات إلى التركيز على أنظمة تقييم وضمان جودة أخرى أكثر شفافية وملاءمة لقيمها وأهدافها.

وفيما يتعلق بأثر هذه الانسحابات، أشار إلى جانبين؛ الإيجابي منه يتمثل في إدراك الجامعات الأردنية أن التصنيفات العالمية ليست غاية بحد ذاتها، وأن التركيز المفرط على مؤشرات التصنيف قد يدفع المؤسسات إلى تبنّي ممارسات تخدم التصنيف (كزيادة عدد الأبحاث على حساب الجودة)، بدلاً من خدمة رسالتها التعليمية والبحثية الحقيقية. وقال: "أنا شخصيًا أميل جدًا إلى هذا الجانب وأرجّحه على الجانب السلبي".

كما تتمثل الإيجابية، بحسب العيساوي، في رفض دفع رسوم مقابل تصنيف الاستدامة، وهو موقف مبدئي قوي ضد "تجارية التصنيف"، ويعزز ضرورة الحفاظ على نزاهة التقييم الأكاديمي وتطبيقه على الجميع بشفافية وعدالة. وهذا الموقف يعزّز صورة الجامعات كمؤسسات مسؤولة تدافع عن معاييرها الخاصة.

أما الجانب السلبي، فيكمن في احتمال تفسير الانسحاب على أنه تهرّب من نتائج متراجعة، كما أن الغياب عن قوائم "التايمز" قد يؤدي مؤقتا إلى تراجع الظهور الدولي للجامعات الأردنية، مما قد يؤثر على استقطاب الطلبة الدوليين أو فرص الشراكة والتمويل البحثي، أو حتى الثقة المحلية لدى الطلاب وأولياء الأمور بجودة التعليم في ظل الغياب عن منصات التقييم العالمية.

ورأى العيساوي أن هذا التحدي ليس سهلاً، لكن البديل هو ما يخفّف من وطأة القرار، والمتمثل بالسعي نحو المزيد من الجودة والشفافية. لذلك، يبقى التحدي الأكبر للجامعات المنسحبة - أو حتى العربية عموما - هو إثبات أن قرارها خطوة هادفة نحو تبنّي معايير جودة داخلية أكثر عمقا وشفافية، وأنها ستواصل الظهور بقوة في تصنيفات دولية مرموقة تتسم بالنزاهة، لضمان عدم تأثير القرار على مكانتها وسمعتها عالميًا.

من جانبه، أوضح المتخصص في الإعلام الرقمي، الأستاذ الدكتور كامل خورشيد، أن تصنيفات الجامعات العالمية، مثل "التايمز"، تستند إلى مجموعة من مؤشرات الأداء لتقييم المؤسسات التعليمية، وتشمل: بيئة التعليم، والبحث العلمي، والاستشهادات، والمكانة الدولية، ونقل المعرفة، إلى جانب نسبة الطلبة وأعضاء هيئة التدريس الدوليين.

وبيّن خورشيد، في حديثه إلى "، أن انسحاب جامعات أردنية جاء احتجاجا على غياب الشفافية في منهجية "التايمز"، حيث ترى تلك الجامعات أن التغييرات المستمرة في آليات التقييم تفتقر إلى الوضوح وتربك المؤسسات الأكاديمية، فضلا عن أن بعض المؤشرات لا تعكس جودة الأداء التعليمي والبحثي بدقة.

وأشار إلى أن الانسحاب يحمل جانبا إيجابيا يتمثل في منح الجامعات حرية أوسع لبناء معايير تقييم تتناسب مع خصوصية المجتمع المحلي وأولوياته التنموية، بدلاً من الالتزام الصارم بمعايير العولمة التي قد لا تنسجم مع الواقع الوطني.

وأضاف أن هذه الخطوة تحرر الجامعات من الضغوط الدولية، وتتيح لها تركيز جهودها على تطوير التعليم والبحث بما يخدم احتياجات المجتمع الأردني.

وفي المقابل، حذّر خورشيد من أن الانسحاب قد يؤدي إلى غياب الجامعات الأردنية عن جداول التصنيفات الدولية، ما قد يؤثر مؤقتا على سمعتها الأكاديمية، وفرص جذب الطلبة الدوليين، أو عقد شراكات بحثية.

وشدد على ضرورة معالجة هذه التحديات بحكمة، من خلال إجراءات تعويضية واستراتيجيات تواصل فاعلة تعزز الثقة بمستوى التعليم الوطني.

واقترح خورشيد أن يتولى اتحاد الجامعات العربية قيادة مبادرة تهدف إلى وضع معايير تقييم عربية شاملة تراعي خصوصيات المنطقة وتنافس في دقتها وعدالتها المعايير الدولية.

وأكد أن الوقت قد حان لبناء نموذج تقييم عربي مستقل يعكس القيم التنموية للجامعات العربية.

وشدد خورشيد على أن الجامعات العربية، رغم تاريخها الأكاديمي العريق، بحاجة إلى دعم حكومي وتمويل كافٍ للنهوض بمستوى التعليم والبحث، مشيرًا إلى أن الإرادة الوطنية القوية هي الأساس لتطور منظومة التعليم العالي وتحقيق الاستقلال الأكاديمي الحقيقي.

بدوره، قال وزير الاتصال الحكومي الأسبق، الدكتور مهند المبيضين، في منشور له عبر صفحته على منصة "فيسبوك"، إن قرار انسحاب الجامعات الأردنية من التصنيفات العالمية يستحق الشكر والتقدير، واصفًا إياه بأنه قرار شجاع يعكس وعيًا متأخرًا بأهمية الجودة الأكاديمية ومكانة المؤسسات التعليمية التي لا يصنعها أي تصنيف دولي.

وقال: "شكرًا للانتفاضة الأخلاقية المتأخرة"، في إشارة إلى الموقف الذي اتخذته الجامعات بعد سنوات من الارتهان لمنهجيات تصنيف لا تُعبّر بالضرورة عن جودة التعليم الحقيقية.

وأشار المبيضين إلى أن مرحلة التصنيفات خلقت مناصب ومهام إدارية جديدة لم تكن ضرورية في الأصل، مثل مساعد عميد للتصنيفات وعميد التصنيفات، معتبرا أن الوقت قد حان لمراجعة جدوى هذه المواقع، وإعادة النظر في تكلفتها وأثرها الفعلي، خاصة بعد الخروج من دوامة السباق التصنيفي.

وأكد أهمية توضيح حجم الإنفاق الذي تحمّلته الجامعات خلال سنوات سعيها لتحسين مواقعها في التصنيفات، سواء من حيث الكُلف المادية أو الخسائر المعنوية التي لحقت بالمؤسسات.

وأشار، في الوقت نفسه، إلى أن الانخراط في التصنيفات لم يكن كله سلبيا، إذ ساهم في تحسين بعض الجوانب الإدارية والأكاديمية نتيجة الالتزام بمتطلبات محددة للجودة.

وشدد المبيضين على أن القيمة الحقيقية لأي جامعة لا تُقاس بترتيبها في التصنيفات، بل بما تملكه من أساتذة أكفاء، وطلبة مجتهدين، وبنية تعليمية فاعلة.

ولفت إلى أن دور المكتبات الجامعية تراجع في خضم "زمن التصنيفات" الذي حوّل التعليم إلى سلعة قابلة للتسعير والتسويق، مما يستدعي - برأيه - عودة الاهتمام بجوهر العملية التعليمية ومصادر المعرفة الحقيقية بعيدا عن هوس التصنيفات والأرقام.

الرأي – سرى الضمور