مشهور الجازي.. زمازم الشهادة ومزامير النصر
محمود كريشان
هو «الأردن» الذي يتعرف على وجهه في مرايا العزة والكرامة.. ويقرأ اسمه في كتاب الجيش الأردني.. زمازم الشهادة.. ومزامير نصر.. يقرأه في فرح المغامرة والإقدام، وأبجدية الشجاعة وروح الاقتحام.. يقرأه على معاطف الجنود المسافرين إلى ري سنابل الكبرياء بدمهم الأرجوان.. يقرأوه في جراحهم المتلألئة تحت الشمس كأحجار الياقوت.. وحقول شقائق النعمان.. ويكتشف الأردن صوته في رصاص مقاتليه الأبطال.. هو جيش عظيم أنبتته الأرض الأردنية المباركة، لذلك يجنح للخضرة الراتقة، المستمدة من غابات الوطن، وكأن كل ضابط وجندي من أفراده، شجرة معطاءة تظلل المملكة الأردنية الهاشمية الفتية..
نتوقف في هذا الصباح المشرق عند السيرة العطرة لأحد أبرز أبطال وقادة الجيش العربي:
في مضارب الجازي
الفريق الركن مشهور حديثة الجازي، قائد عسكري أردني بارز وعظيم، طبقت شهرته الآفاق و حظي بتكريم ضخم في الأردن و فلسطين وكافة الدول العربية، وقد "وُلِدَ في 1928 معان تُوفي في 2001 عمّان" وتولى منصب قائد القوات المسلحة الأردنية في عام 1968 و1970 إشتهر بدوره القيادي الشجاع في معركة الكرامة عام 1968 التي اعتُبرت إنتصارًا عربيًا مهمًا بعد حرب 1967، حيث وحّد الجهود الحربية العسكرية للتصدي للقوات الإسرائيلية في تلك المعركة الخالدة، وينتمي القائد الفذ مشهور حديثة الجازي إلى قبيلة الحويطات الكريمة، وقد حظي بتقدير واسع في الأردن وفلسطين لدوره الوطني البطولي، حتى لُقّب بـ«بطل الكرامة» وزُرع اسمه في قلوب الأردنيين والفلسطينيين تقديرًا لبطولاته.
في مضارب عشيرته الحويطات بمحافظة معان، نشأ الفارس الجازي في كنف جده، الذي كان شيخًا لقبيلة الحويطات، متأثرا منذ بواكير صباه بالأجواء القومية، إذ شهد جده عن قرب بدايات المقاومة الفلسطينية مع وصول أفواج المهاجرين اليهود الأوائل إلى فلسطين، وإكتسب مشهور باشا الجازي من نشأته البدوية قيم الفروسية والوضوح، وحمل نقاء الصحراء في شخصيته وفق وصف معاصريه، وتزوّج خلال خدمته العسكرية من السيدة يُسرى العوضي، وهي سيدة فاضلة من عائلة مقدسية عريقة، وذلك أثناء فترة خدمته في ضواحي القدس، مما وطّد صلته بالمجتمع الفلسطيني وقضاياه العادلة..
قلبي يحب الجيش
وفي المعترك العسكري لم يكن قد أكمل الرابعة عشرة من عمره حين حمل مشهور حديثة الجازي الرقم العسكري 7617 في صفوف قوات البادية الملكية، التي ينتمي إليها كثير من أقرانه وأصدقائه وأبناء قبيلته، فقد دخل ذلك الفارس الفذ مرحلة الرجولة مبكرا، بعد ان أكمل إنتسابه لقوات البادية وارتداء زيها العسكري، الأمر الذي مهد الطريق أمامه ليكون قائدا عسكريا من طراز عظيم، ولم يعرف الباشا أبو رمزي لنفسه حياة خاصة خارج إطار الحياة العسكرية والجندية التي قضى فيها ما يقرب من ثلاثين عاما، ظل فيها جنديا يحمل خارطة وطنه وأمته ناذرا نفسه للدفاع عن المبادئ الشريفة والعظيمة التي آمن بها مشهور باشا، الذي حمل الذي حمل رتبة ملازم أول وقضى أكثر من أربع سنوات على مشارف القدس وشارك القائد العسكري عبد الله التل في الدفاع عن القدس والمقدسات، وقد جرح في معركة كفار عصيون في أول مواجهة له مع العصابات الصهيونية.
ووفقا لما ادرجه الزميل هشام عودة فإنه وفي نهاية عام 1952 حدثت تطورات مهمة في حياة الضابط البدوي، الذي صدر قرار بنقله إلى مدينة الزرقاء، وقرار آخر بنقله من سلاح المشاة إلى سلاح الدروع الذي كان قيد التأسيس، وكان له دور في تأسيس هذا السلاح الذي يعد من أهم أسلحة الجيش العربي، لم يشارك قائد المدرعات مشهور حديثة في حرب عام 1967، لذلك كان من السهل عليه مراقبة مجريات المعركة، وقد أحس بوجع كبير وهو يراقب انهيار الجبهة، لتبدأ مهمته في إعادة تنظيم القوات المنسحبة من الضفة الغربية، ليصبح قائدا لفرقة المشاة الأولى، حيث عاد إلى السلاح الذي عمل به من قبل، وليصبح بعد ذلك رئيس هيئة أركان الجيش العربي، وفي تلك الفترة بذل القائد مشهور حديثة جهدا استثنائيا في إعادة بناء الجيش، حتى حانت فترة الثأر من الهزيمة لذلك إستبسل الباشا مشهور حديثة الجازي مع ضباطه وجنوده في معركة الكرامة، وإستطاع أن يثأر، ولو جزئيا، من هزيمة لحقت بالعرب قبل تسعة شهور فقط من تلك الموقعة الخالدة.
فارس الكرامة
قاد مشهور باشا حديثة الجازي القوات الأردنية في هذه المعركة بخطة تكتيكية دقيقة، معتمدا على المعلومات الإستخباراتية، وإستغلال الجغرافيا الوعرة للمنطقة، وإستخدام تكتيكات الكر والفر، حيث قرر القائد الجازي جعل المواجهة قاسية من خلال إستدراج القوات الإسرائيلية إلى ميدان معركة مفتوح حيث يمكن للمدفعية ووحدات المشاة الأردنية أن تُلحق الضرر الأقصى بالمهاجمين، ونجحت الخطة حين صمدت القوات الأردنية أمام الهجوم وتشبثت بمواقعها، بينما أطبقت سلاح المدفعية الأردني قصفًا مركزًا ومكثفًا على آليات العدو، مما أسهم بشكل كبير في تعزيز الروح المعنوية للجنود الأردنيين وأربك القوات الإسرائيلية وأجبرها على الانسحاب بعد تكبدها خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وفي الخامس عشر من أيلول 1970 خلع الفريق الركن بزته العسكرية وإستقال من موقعه في رئاسة هيئة الأركان.
عائلة مناضلة
إستمرت روح المقاومة والنضال في عائلة الجازي من جيل إلى جيل، حيث لم تتوقف المشاعر الوطنية على مر السنين، إذ إن إرث مشهور حديثة الجازي في القتال من أجل الوطن وزرع القيم الوطنية جعل منها عائلة تفتخر بتاريخها وتناسبت مع الأوضاع المتغيرة في المنطقة، تنتقل روايات الشخصية الفذة في عائلة الجازي عبر الأجيال، حيث عُرف الأبناء والأحفاد بحبهم للوطن ورفضهم للإحتلال، متمسكين بالمبادئ التي غرسها جدهم، عبر السنوات، إستمروا في تعزيز روح النضال من خلال نشاطات مجتمعية وسياسية، تفعالوا مع القضايا الوطنية بشكلٍ عام ومع القضية الفلسطينية بشكلٍ خاص.
ما نريد ان نقوله: قدمت حياة مشهور حديثة الجازي مثالاً فروسيا نادراً في الشجاعة والقيادة والاقدام والإخلاص للوطن والقيم، تمثل أعماله إنجازات تاريخية تعكس الروح القتالية والتصميم على حماية الثرى العربي والتصدي للعدو الاسرائيلي الغاشم.