اليوم أخطر من اليوم التالي
عامر طهبوب
65 ألف شهيد كحد أدنى استشهدوا في غزة، ومئات الآلاف جرحى، وقطاع غزة دُمِّر عن بكرة أبيه تقريباً، ويبحثون مع ترمب اليوم التالي، أو اليوم الثاني بعد وقف إطلاق النار، لا أحد يتحدث عن اليوم، لا أحد يتحدث عن الشهداء والجرحى الذين يتعذر انتشالهم من أحياء التفاح، والصبرة، والدرج، وتل الهوى وغيرها، ولا أحد يسأل لماذا رفض جيش الاحتلال 73 طلب تنسيق من قبل الدفاع المدني عن طريق الصليب الأحمر، للسماح لفرق الإنقاذ بالعبور إلى تلك المناطق لانتشال الجثث ونقل الجرحى، ولا أحد يسأل إسرائيل لماذا تمنع إدخال الوقود لسيارات الدفاع المدني، ولماذا لا تتوقف عن ارتكاب المجازر على كافة صنوفها، بما في ذلك التعطيش والتجويع.
سأقول لكم بصراحة لماذا، لأن الدول فقدت إحساسها، ومنعتها، وهيبتها، وكرامتها، ونخوتها، وتبلّدت، و»خشّبَت»، ولم تعد تدرك حجم الأخطار المترتبة على هذه البلادة، ليس على فلسطين فحسب، وإنما على مستقبل المنطقة برمتها، ولا يعقل أن يموت أهل غزة على مدى عامين كاملين، يقصفون ليل نهار على مدى 24 شهراً دون أن تستطيع الدول بثقل شراكاتها وتحالفاتها مع الولايات المتحدة، أن توقف هذا العدوان الظالم المجنون غير المسبوق في التاريخ على قطاع غزة.
ما يدور في فلسطين يؤكد قرار الولايات المتحدة بتصفية القضية الفلسطينية، وإن تعهد ترمب للقادة العرب والمسلمين بعدم السماح لنتنياهو بضم الضفة الغربية، ذر حقيقي للرماد في العيون، ومحاولة للمراوغة حتى يتم تحقيق أهدافه وأهداف إسرائيل في قطاع غزة، وقد قالها نتنياهو بالأمس إلى مجلس المستوطنين في الضفة الغربية أن الوقت الحالي ليس مناسباً للضم، المسألة تتعلق بالوقت فقط، وهدف واشنطن وتل أبيب اليوم هو التهجير بالدرجة الأولى، وإقامة كيان هجين من إدارات أجنبية وعربية، ومطعّم بفلسطينيين يجلسون على نفس الصفحة الأميركية، وربما الإسرائيلية أيضاً.
القضية الفلسطينية تخوض أقسى وأخطر مرحلة في تاريخها منذ احتلال الأرض عام 1948، وهي مرحلة حياة أو موت، والفلسطيني يعرف جيداً أنها كذلك، لكني لا أظن أن السلطة الفلسطينية تدرك جيداً ما يمكن أن ينتهي عليه حالها، والمصير الأسود الذي سينتظرها من قبل إسرائيل، فإسرائيل لم تعد معنية بأوراق أوسلو، ولا أي اتفاق أعقب أوسلو، ولم يعد لديها ما تريده من السلطة الفلسطينية، ولم يعد للسلطة أي ورقة ضغط على إسرائيل.
يبدو للمرة الأولى أننا على أبواب وقف للعدوان على غزة، وعلى أبواب إدخال مساعدات حقيقية تنقذ ما بقي من الحياة للأحياء، لكن لا أحد يعرف تفاصيل الاتفاق الذي سيفرج بالضرورة عن الأسرى الإسرائيليين، ولا أحد يعرف حتى الآن مصير المهجّرين من شمال غزة، والأيام ستكشف عن المخطط فيما إذا كان وقفاً لإعادة البناء، أو لبدء التهجير.