حسان.. معركة التحديث وكسر إرث البيروقراطية

محمد علي الزعبي

منذ أن حمل دولة الدكتور جعفر حسان راية الإدارة الحكومية، بدا واضحًا أن الرجل لا ينظر إلى التغيير بوصفه تجميلًا للواقع، بل انقلابًا على حالةٍ مترهلة رسختها البيروقراطية العقيمة في دهاليز الوزارات والدوائر. فالمرحلة المقبلة ليست ترفًا إداريًا، بل استحقاق وطني لا يحتمل التأجيل، بعدما باتت الإدارة الأردنية في كثير من المواقع أسيرة "الدرجة الثانية" من المسؤولين، أولئك الذين أتقنوا فنون إبطاء القرار، ومهارة إغراق المبادرات في تفاصيل عقيمة، حتى صار الإصلاح معركة مع ذهنية أكثر مما هو مع هياكل.

من المتوقع أن يشهد المشهد الحكومي قرارات جريئة بإنهاء خدمات عدد من الأمناء العامين والمدراء العامين، في خطوة تُقرأ على أنها إعلان صريح لمرحلة تصحيحية، تقطع مع عقلية المحافظة على الكراسي، وتفتح المجال أمام قيادات جديدة تحمل روح المبادرة والإنجاز. ولعلّ ما يُحسب لدولة حسان أنه يذهب مباشرة إلى جذور الإشكال: الموظفون الذين شكّلوا عبر السنوات جدارًا من الممانعة أمام أي تحديث أو إصلاح، بحجة "التعقيدات" و"الضغوطات"، بينما في حقيقتها لم تكن إلا ذرائع لحماية مكاسب شخصية ونفوذ اعتادوا عليه.

إن التغيير الإداري اليوم لم يعد خيارًا، بل شرطًا لازمًا لتحديث الدولة وتجديد قدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية. فحين يتبنى الرئيس نهج الكسر لا الترقيع، والهدم لا التجميل، فهذا يعني أن الأردن يتجه إلى مرحلة جديدة، يُقاس فيها المسؤول بما يُنجز لا بما يَعد، وبما يُبدع لا بما يُعطل.

لقد سئم الأردنيون من الإدارات التي تحترف إدارة الوقت بدل إدارة العمل، وتلك التي تتقن كتابة المراسلات بينما تعجز عن حل أزمة ميدانية، وما يتطلع إليه المواطن اليوم أن يجد في الوزارات رجالًا ونساءً من طينة مختلفة، مسؤولين يقفون عند مفترق القرار بشجاعة، لا موظفين يحصون الأعذار بعدد أيامهم في المكاتب.

وبين رؤى التحديث الإداري التي يقودها دولة الرئيس، وتلك البيروقراطية التي أثقلت الدولة وأرهقت مسارها، يقف الأردن على أعتاب منعطف مصيري. فإما أن نُكمل بمنطق "الوجوه القديمة" ونغرق أكثر في التعطيل، وإما أن نفتح الباب أمام جيل جديد من القيادات، يحمل عقلية الانجاز السريع وروح العصر. وما يبدو حتى الآن، أن الدكتور جعفر حسان قد حسم خياره: التغيير آتٍ، والبيروقراطية إلى زوال، والإدارة الأردنية تُبعث من جديد على أسس أكثر صلابة وجرأة.