أعنف هجوم إرهابي أجنبي بأمريكا قبل 11 سبتمبر!

شهدت العاصمة الأمريكية واشنطن في سبتمبر 1978 عملية اغتيال دموية توصف بأنها واحدة من أعنف الهجمات الإرهابية الأجنبية على الأراضي الأمريكية قبل هجمات 11 سبتمبر.

جريمة الاغتيال استهدفت أورلاندو ليتيلير، البالغ من العمر 44 عاما، وهو سفير تشيلي سابق في الولايات المتحدة.

ليتيليير كان يُعد أشهر مهاجر تشيلي في الولايات المتحدة، وقد وصلها قبل عامين بعد أن فر من بلاده هربا من الاضطهاد في عهد الجنرال أوغستو بينوشيه.

قبل لجوئه إلى الولايات المتحدة قضى أورلاندو ليتيلير حوالي العام في السجن، وأطلقت سلطات تشيلي سراحه تحت ضغط دولي. وقتها أدلى بتصريح يشبه النبوءة لصحيفة نيويورك تايمز قال فيه: "هم سيقتلونني"!

كان يقصد على الأرجح وكالة الاستخبارات الوطنية "دينا"، وهي الشرطة السرية للجنرال بينوشيه.

مع ذلك كان الدبلوماسي التشيلي السابق يستبعد تماما أن تجرؤ أجهزة استخبارات تشيلي على التعرض له في الولايات المتحدة على الرغم من أنه تلقى تهديدات صريحة ألقيت أمام باب منزله في واشنطن حيث عمل لعامين في معهد دراسات السياسة.

في هذا الشأن، روى مساعده خوان غابرييل فالديز في تصريح صحفي أن أورلاندو كان يتجاهل مخاوف المحيطين به وأنه كان يقول: "لن يجرؤوا أبدا على مهاجمتي في واشنطن.. إذا أرادوا مهاجمتي، فسوف ينتظرون إلى أن أكون في أوروبا، خاصة في هولندا"، التي كان يتردد عليها بانتظام.


كانت تشيلي تحت حكم الدكتاتور بينوشيه حليفة وثيقة للولايات المتحدة، وبدا من غير المعقول أن يجرؤ الجنرال على التخلص من هذه الشخصية المعارضة لنظامه الدكتاتوري في العاصمة الأمريكية واشنطن. لكن كما اتضح من الوثائق التي رُفعت عنها السرية، هذا بالضبط ما حدث. بينوشيه شخصيا كان ووراء مقتل السفير التشيلي السابق، بل وفكر في قتل رئيس استخباراته لمحو آثار جريمته.

في اليوم السابق لمقتل السفير، أبلغ  ليتيلير أحد مساعديه، أنه يشتبه في تورط جهاز استخبارات بينوشيه في الهجمات الأخيرة على شخصيات تشيلية مهاجرة في بلدان أخرى، مشيرا إلى أنه يعتقد أيضا أن الشرطة السرية التشيلية تراقبه.

غادر أورلاندو ليتيلير صباح 21 سبتمبر 1976 منزله في واشنطن متوجها إلى مقر عمله. كانت ترافقه في السيارة سكرتيرته الأمريكية، روني موفيت، وزوجها مايكل.

انفجرت عبوة ناسفة شديدة زرعت تحت السيارة في الساعة 09:35. قذف الانفجار السيارة في الهواء قبل أن تصطدم بسيارة فولكس فاغن متوقفة.

حين وصلت الشرطة إلى المكان، عثرت على قدم بشرية على قارعة الطريق، ورجل ملقى على الرصيف فقد نصف ساقيه.

بعد دقائق، توفى أورلاندو ليتيلير وكان يجلس في المقعد الأمامي، وتوفيت سكرتيرته بعد نقلها إلى المستشفى فيما أصيب زوجها فقط بجروح خفيفة بالرأس.


على مدى السنوات التالية، تمكن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي من تحديد المسؤولين عن هذه الجريمة في مستوياتها الدنيا. تبين أن مدبر عملية الاغتيال العنيفة مواطن أمريكي يدعى مايكل تاونلي، وهو عميل للشرطة السرية التشيلية "دينا".

اعترف تاونلي بأنه استأجر مهاجرين كوبيين يعيشون في الولايات المتحدة لزرع العبوة الناسفة في السيارة. افترض الكثيرون أن خيوط الجريمة تقود إلى أعلى مستويات السلطة في تشيلي، وأن بينوشيه كان يمسك بخيوط المؤامرة كما في مسرح العرائس، وأنه من أمر مباشرة بتنفيذ عملية القتل.

بقيت هذه الشبهات من دون إثباتات إلى أن ظهر اليقين عام 2015، حين رفعت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما السرية عن وثائق استخباراتية عن عملية الاغتيال وقامت بتسليمها إلى رئيسة تشيلي حينها، ميشال باشليت.

الوثائق أظهرت أن بينوشيه أمر بتنفيذ عملية الاغتيال مباشرة، وأن الولايات المتحدة كانت على علم بذلك منذ عام 1978.

بينوشيه  توفى عام 2006، ولم يحاكم أبدا على جرائم القتل والانتهاكات الجسيمة الأخرى التي ارتكبت أثناء حكمه تشيلي بقبضة حديدية ملطخة بالدماء.