الدم الفلسطيني يوحّد العالم
لما جمال العبسه
أمس الأول جاء خطاب الملك عبد الله الثاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ليعيد ضبط البوصلة الأخلاقية والسياسية عالميا، ليصف بصوت مزج الالم والغضب الحرب على قطاع غزة بأنها «واحدة من أحلك الأحداث في تاريخ الأمم المتحدة»، وأن الفلسطينيين يُحرمون من حقوقهم الأساسية وكرامتهم الإنسانية مرارًا وتكرارًا»، ومطالبًا باعترافٍ دولي بالدولة الفلسطينية كحقٍ أصيل، لا كمكافأة مشروطة، وهي بالمناسبة اعادة التذكير للعالم بان للفلسطيني حق لا منية لاحد عليه.
هذا الخطاب، الذي تزامن مع دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاجتماعٍ عاجل مع قادة عرب ومسلمين في نيويورك، لم يكن معزولًا عن السياق الدولي المتحوّل، فالدعوة الأميركية جاءت بعد إعلان عدد من الدول الغربية اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، في صفعةٍ سياسية لحكومة اليمين الصهيوني المتطرف، وردٍّ رمزي على الانحياز الأميركي الذي وصف هذه الاعترافات بأنها «استعراضية»، وهو تعبير يكشف عمق التجاهل الأميركي للحق الفلسطيني، ويعري ادعاء الوساطة.
كلمة الرئيس الامريكي كانت واضحة تماما كوضوح تصريحاته الاعلامية بان السلام يحل اذا ما كان هناك مصالح اقتصادية ومالية، وبالمناسبة عبر عن هذا الامر وزير الخارجية الامريكي ماركو روبيو، لكن المفاجأة جاءت بالمواقف ابتداء من الاجتماع الذي دعت اليه السعودية وفرنسا بشأن الاعتراف بدولة فلسطين قبيل اجتماع الجمعية العامة للامم المتحدة، وتلته بالطبع كلمات زعماء العالم التي لم تخلو من الادانة للكيان الصهيوني للمقتلة الدائرة في القطاع مع الرغبة في ضم الضفة الغربية، وهنا لنا ان نتساءل هل هذا الاجتماع جاء لاحتواء المواقف أم لإعادة الهندسة؟
الاجتماع الذي وصفه ترامب بأنه «الأهم»، ضمّ قادة الاردن، السعودية، الإمارات، قطر، مصر، تركيا، إندونيسيا، وباكستان، وجاء في توقيتٍ لا يمكن فصله عن مشهد الدم المتدفق في غزة، ولا عن الغارات الإسرائيلية على قطر، ولا عن محاولات تقويض السيادة الأردنية على المقدسات، لكنه أيضًا جاء في ظل تسريبات عن خطة أميركية–إسرائيلية لما بعد الحرب، صاغها توني بلير وجاريد كوشنر، وتقوم على اعتبار غزة أرضًا بلا أصحاب، وعلى مقاربة اقتصادية–مالية تُفرغ القضية من مضمونها، وتُعيد إنتاج الإنكار تحت شعار «الاستقرار».
هذه الخطة، التي تسعى لإشراك دول عربية في «اليوم التالي» دون ضمانات سياسية أو سيادية، تُعيد طرح نموذج «السلام مقابل المال»، وتُحوّل الفلسطينيين إلى ملف إنساني لا سياسي، وتُقايض الحقوق بالمساعدات، والكرامة بالمنفعة، وهي رؤية لا يمكن أن تُقبل عربيًا أو إسلاميًا، خاصة وأن المقاومة الفلسطينية منذ البداية لم تطلب حكمًا، بل حريةً وكرامةً، ورفضًا للتهجير.
بالمقابل علينا ان ندرك ان الموقف العربي المتُبنى عالميا أخذ شكلا اخر، فما لم تحسبه واشنطن هو أن الدم الفلسطيني، والاعتداء على قطر، ومحاولات تقويض السيادة الأردنية، كلها أعادت توحيد الموقف العربي والإسلامي حول ثوابت لا تقبل المساومة، على رأسها وقف المجازر، رفض التطبيع مع القتل، والإصرار على حل الدولتين، مع القدس عاصمة لفلسطين، والسيادة الأردنية على المقدسات.
الدول العربية، وفي مقدمتها الأردن، مصر، وقطر، باتت تدرك أن الصمت لم يعد خيارًا، وأن الدفاع عن فلسطين هو دفاع عن الذات، عن السيادة، وعن مستقبل المنطقة، ومن هنا فإن الاجتماع الذي لم تعلن نتائجه حتى ساعة كتابة المقال كان لحظة إعلان موقف موحد، يُعيد تعريف العلاقة، ويضع حدًا لمحاولات إعادة ترتيب المنطقة.