الاعتراف بالدولة الفلسطينية.. ماذا يعني؟

عوني الداوود

حتى يوم أمس الأول - وبحسب إحصاءات إعلامية - اعترفت 157 من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة بدولة فلسطين. يشكّلون نسبة 81 % من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

هذه الاعترافات التي يحاول العدو الإسرائيلي - ومن على شاكلته - التقليل من أهميتها لاعتبارات متعدّدة، أوّلها: أنّ إسرائيل ابتلعت الأراضي الفلسطينية، فلم يعد هناك إمكانية على الأرض لإقامة دولة. واعتبار آخر أنّ إسرائيل أبادت غزّة، فلم تعد هناك أرض للحديث عنها. واعتبارات أخرى تقول إنّ ردّة فعل إسرائيل القادمة ستكون بقرار ضمّ الضفة - خصوصاً وأنّ البرلمان الإسرائيلي كان قد صوّت العام الماضي 2024 على قرار ضد إنشائها.

رغم كل ما قيل ويقال، إلاّ أنّ الواقع يقول إنّ «موجة الاعترافات لم تأت من فراغ.. والدليل ما يلي»:

1 - إسرائيل التي أصيبت في مقتل هزّ سمعتها الأمنية كجيش لا يقهر في 7 أكتوبر، جعلها تعلن عن «حرب وجودية»، كانت تمنّي النفس بإنهائها خلال أسبوعين أو حتى شهرين، وإذا بها تقترب من السنتين، دون نصر حقيقي وعدت به شعبها بالقضاء على حماس، واستعادة الرهائن، وكلّ ما حقّقته على الأرض حتى اليوم هو مزيد من الدمار، وقتل البشر، والقضاء على كل مقوّمات الحياة.

2 - إسرائيل التي كانت قبل عامين تمنّي النفس بطيّ ملف فلسطين إلى الأبد، وإنهاء كل ما يتعلق بها من ملفات مقلقة، وفي مقدمتها ملف اللاجئين والعودة، وتتقدّم في طريق توقيع اتفاقيات سلام في المنطقة.. تُصعق اليوم بأنّ النتيجة بعد عامين كانت عكس ما تتمناه تماماً، فقد عادت القضية الفلسطينية إلى ألقها، والدليل اعتراف 157 دولة من أصل 193 عضواً في الأمم المتحدة، والحبل على الجرار.

3 - في المقابل، إسرائيل في عزلة سياسية وشعبية متزايدة على صعيد العالم.

4 - من كان يتوقع أن تعترف بريطانيا، صاحبة «وعد بلفور»، بالدولة الفلسطينية؟ وترفع العلم الفلسطيني على سفارتها وسط العاصمة لندن؟

5 - من كان يتوقع أن تعترف فرنسا بدولة فلسطينية، لا بل ويقود حراك مؤتمرات دولية لحلّ الدولتين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصياً، وبالتنسيق مع المملكة العربية السعودية؟

6 - هذه الاعترافات بالدولة الفلسطينية لم تكن لتحدث لولا:

أ)- جهد الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، وموقفه الصامد منذ اليوم الأول قبل عامين، والرفض المطلق لكل مخططات (التهجير والتوطين والوطن البديل).

ب)- ما حدث لم يكن ليحدث لولا جهد الدبلوماسية الأردنية بتوجيهات الملك في مواجهة السردية الإسرائيلية الكاذبة والمزوّرة للحقائق، وعبر كافة وسائل الإعلام الغربية بحضور ملكي مؤثر، وخطابات جلالة الملكة رانيا العبدالله، المفنّدة للأكاذيب والمعايير المزدوجة، ومتابعات ولقاءات سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني.

ج)- ما تمّ من اعترافات بالدولة الفلسطينية لم يكن ليحدث لولا الحشود البشرية المليونية التي نزلت تملأ شوارع لندن، وساحات الجامعات الأمريكية الكبرى، وشوارع ولاياتها الـ50.. وشوارع العواصم الغربية، كان آخرها ردّة الفعل الغاضبة من الإيطاليين الذين نزلوا إلى الشارع احتجاجاً على عدم تصويت حكومتهم للاعتراف بدولة فلسطين.

د)- ما حدث لم يكن ليحدث، لولا زيارات ولقاءات وتصريحات جلالة الملك مع قادة العالم وصنّاع القرار الذين يكنّون لجلالته كل احترام وتقدير، ويعتبرونه صمّام أمان المنطقة.. لإقناعهم بأنّ الحلّ يكمن بوقف فوري للحرب على غزة، وإيصال مساعدات فورية كافية ومستدامة.

هـ)- ما حدث من اعترافات بالدولة الفلسطينية، ما كان ليحدث لولا أن شاهد العالم بأمّ عينه الهمجية الإسرائيلية، والنهج التوسعي المخدوع بأوهام «إسرائيل الكبرى»، فلم تسلم غزة ولا الضفة ولا عموم فلسطين ولا لبنان ولا سوريا ولا اليمن من شرور الاعتداءات التوسعية، حتى كانت الشعرة التي كشفت كذب إسرائيل الكبير أمام العالم باعتدائها السافر على قطر، الدولة التي تقود جهوداً مضنية إلى جانب مصر والولايات المتحدة لإيجاد حلّ ينهي الحرب على غزة، ويعيد الأسرى والرهائن إلى أهاليهم، بما يؤكد أنّ إسرائيل لا تريد سلاماً، وهي غير معنية أبداً بحياة رهائنها.

و)- ما حدث لم يكن ليحدث، لولا الموقف العربي والإسلامي الموحّد لنحو 57 دولة عربية وإسلامية أعادت حساباتها، ووحّدت موقفها في سبيل الدفاع عن مصالحها المشتركة، وعن القضية الفلسطينية، ووقف فوري للعدوان على غزّة، وإيصال مساعدات كافية ودائمة.

*باختصار:

الاعتراف بالدولة الفلسطينية قرار مهمّ جدّاً، وهو - بحسب قانونيين دوليين - يعني:

1 - «الاعتراف لا يعني أن الدولة أنشئت، مثلما أن عدم الاعتراف لا يمنع الدولة من أن تكون موجودة».

2 - «ربما يبدو الأمر رمزياً بالنسبة إلى كُثُر، لكن في الواقع، من الناحية الرمزية، فهو بمثابة تغيير في قواعد اللعبة».

3 - «بمجرد الاعتراف بدولة فلسطينية.. فإنك تضع فلسطين وإسرائيل على قدم المساواة من حيث معاملتهما بموجب القانون الدولي».