وزراء الشو الإعلامي.. غياب الرؤية وضياع البوصلة
محمد علي الزعبي
في دولٍ كالأردن، ظل الإعلام على الدوام ساحةً تعكس نبض الشعب، وتترجم سياسات الدولة بروح واثقة وبخطابٍ راسخ. لكنه أحيانًا يجد نفسه أسير إدارات وزارية بلا رؤية، وقيادات لا تمتلك أدوات، فيتحول المشهد إلى ما يمكن وصفه بـ "الشوه الإعلامي"؛ ضبابية متراكمة، وارتباك في الخطاب، وتيهٌ يبعثر الكلمة الوطنية بين المبالغة والفراغ.
هذا الشو الإعلامي يكشف غياب الفهم الحقيقي لطبيعة الإعلام؛ فالإعلام ليس مجرد بيانات تقليدية تُقرأ على عجل، ولا مؤتمرات صحفية لتسجيل حضور بروتوكولي، بل هو عقل الدولة ولسانها، وصوت المواطن وصورته. وحين يغيب هذا الإدراك، يتحول الإعلام إلى نسخة باهتة لا تعبّر عن الوطن بقدر ما تكشف هشاشة من يقودونه.
لقد أُديرت المؤسسات الإعلامية في محطات عديدة بعقلية مترددة، تفتقر إلى الجرأة في مواجهة التحديات، وتغيب عنها القدرة على صناعة خطاب عصري. فمرةً تنغلق خلف أسوار التبرير والتلميع، ومرةً تغرق في تفاصيل هامشية، تاركة الساحة مفتوحة أمام الفوضى الرقمية والإشاعات. والنتيجة: صورة مشوهة تفقد ثقة المواطن، وتُضعف مكانة الإعلام الوطني أمام الرأي العام.
إن أخطر ما يتركه هذا النهج ليس الفشل الإداري فحسب، بل إرث من الفراغ في الذاكرة الإعلامية، إذ تغيب المشاريع المستدامة، ويُستبدل العمق بالسطحية، والرسالة الوطنية بالخطاب الاستهلاكي. والتاريخ لا يرحم؛ فهو يسجل من جاءوا ليضيفوا، ومن مرّوا بلا أثر.
اليوم، نحن أحوج ما نكون إلى إعلام يقوده رجال دولة لا هواة منابر، إلى قيادات تحمل مشروعًا وطنيًا لا أجندات شخصية، إلى قامات تدرك أن الكلمة حين تصدق تبني وطنًا، وحين تُشوَّه لا تخلّف إلا ضبابًا يُعمي البصر والبصيرة.