الأردن وقطر… شراكة استراتيجية على أعتاب مرحلة جديدة
محمد علي الزعبي
الزيارة المرتقبة التي سيقوم بها سمو الأمير تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، إلى المملكة الأردنية الهاشمية، لا يمكن اختزالها في إطار المجاملة الدبلوماسية أو التبادل البروتوكولي المعتاد بين دولتين شقيقتين، بل تبدو محمّلة بمدلولات سياسية واقتصادية واستراتيجية تجعلها محطة بالغة الأهمية في سياق العلاقات الأردنية – القطرية، وفي مسار التوازنات العربية الراهنة.
الأردن الذي يقف على مفترق طرق إقليمي شديد التعقيد، يحتاج إلى تعزيز شراكاته الاستراتيجية مع دول الخليج، وهنا تبرز قطر بما تمتلكه من إمكانيات مالية ورؤية سياسية واضحة وحضور دبلوماسي فاعل، لتكون ركيزة أساسية في رسم معادلات جديدة تخدم المصلحة المشتركة. فالزيارة بقدر ما تمثل رسالة دعم قطري للأردن في مواجهة تحدياته الاقتصادية وضغوطه السياسية، فإنها أيضًا تؤكد دعم الأردن لقطر في تثبيت دورها كفاعل محوري في الملفات العربية والإقليمية.
الأبعاد المتوقعة للزيارة تتشابك في أكثر من اتجاه. فمن الناحية السياسية، فإنها تؤشر إلى وحدة الصف العربي في مواجهة الأزمات المتلاحقة والتدخلات الخارجية، وهو ما يمنح الأردن وقطر فرصة للعب دور أكثر تأثيرًا في الساحة الإقليمية، خصوصًا في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والأوضاع في غزة. ومن الناحية الاقتصادية والتجارية، فإن الأردن بحاجة ماسة إلى استثمارات نوعية ومشاريع تنموية كبرى، فيما تمتلك قطر قدرة مالية وخبرة استثمارية تجعلها شريكًا مثاليًا في مجالات الطاقة والبنية التحتية والسياحة، وربما في مشاريع مستقبلية كالمدينة الجديدة التي يسعى الأردن إلى إطلاقها. ومن المتوقع أن تشهد الزيارة إطلاق استثمارات قطرية جديدة يعلن عنها الأمير تميم خلال وجوده في عمان، بما يعزز الكفاءة الإنتاجية ويحفّز النمو الاقتصادي الأردني، ويمنح السوق المحلية دفعة قوية نحو تحقيق مزيد من الاستقرار والفرص.
كما أن الزيارة لا تنفصل عن بعدها التنموي والشبابي، حيث يلتقي البلدان في رؤيتهما لدور الشباب كقوة دافعة لمستقبل الأمة، ما يفتح الباب أمام تعاون في مجالات التعليم والتدريب والتشغيل وتبادل الخبرات. وبذلك، تبدو هذه الزيارة فرصة لتوسيع دوائر التعاون لتشمل الاقتصاد والمعرفة والتنمية البشرية، بما يعزز صمود الدولة الأردنية ويمنح قطر شريكًا استراتيجيًا في قلب المشرق العربي.
إن زيارة الأمير تميم إلى الأردن تمثل إعادة تثبيت لصلابة العلاقات الثنائية التي تجاوزت محطات من التباين، وأثبتت أنها قادرة على التحول إلى نموذج في التفاهم العربي – العربي. فهي ليست مجرد لقاء بروتوكولي، بل حدث سياسي واقتصادي بامتياز، من شأنه أن يرسم ملامح مرحلة جديدة من التعاون المثمر ويبعث برسائل واضحة إلى العواصم العربية والدولية على حد سواء.
الأردن يستقبل الأمير تميم مدركًا أن هذه الزيارة قد تشكل بداية مرحلة جديدة من الشراكة الممنهجة، مرحلة تتجاوز حدود التنسيق العابر إلى بناء علاقات متجذرة ومتجددة، في زمن تتضاعف فيه الحاجة إلى وحدة الصف العربي وتماسك الموقف المشترك في وجه العواصف التي تضرب المنطقة.