عبد اللطيف النجداوي.. من مدرسة الرئاسة إلى موقع القرار

محمد علي الزعبي

في تقرير معمّق نشره موقع جفرا الإخباري كـ"جردة حساب" لأداء وزراء الحكومة، بدت الصورة متباينة بين من أثبت حضوراً ومن بقي على هامش الفعل العام. 

التقرير لم يجامل، بل أضاء بموضوعية على وزراء تفاوت أداؤهم بين من اجتهد ومن اكتفى بمساحة البروتوكول، وفي خضم هذا المشهد، تميّز اسم عبد اللطيف النجداوي كوجهٍ مختلف، جاء حضوره هادئاً وفعّالاً، بلا استعراض ولا صخب.

النجداوي، ابن رئاسة الوزراء كما وصفه التقرير، لم يدخلها طارئاً، بل تدرّج في أروقتها حتى صار جزءاً من نسيجها. حمل ملفاتها بجدّية، وعايش تفاصيلها اليومية، وأثبت أن الدماثة وحسن التعامل لا يتعارضان مع الحزم والقدرة على الإدارة، كان منصفاً مع زملائه، عادلاً في أحكامه، صادقاً في ممارساته، وهو ما أكسبه احترام المؤسسة ورجالها.

وعندما شغل موقع الأمين العام لرئاسة الوزراء، بدا واضحاً أن الرجل يمارس دوره بعقلية مؤسسية، لا بيروقراطية جامدة، كان يدرك أن الإدارة ليست روتيناً، بل فنّ في ضبط الإيقاع وتوحيد الجهود. لقد أحسن الجمع بين هدوء الطبع ودقة المتابعة، وبين رسم الاستراتيجية اليومية وتفكيك التفاصيل الصغيرة.

لم يكن انتقاله إلى موقع وزير دولة لرئاسة الوزراء عبثياً أو محكوماً بالصدفة، بل جاء تتويجاً لمسيرة من الاجتهاد والتفاني، لقد عرف دهاليز القرار وتمرّس على إدارته، فأصبح الموقع الوزاري امتداداً طبيعياً لمسيرة رجل مارس المسؤولية كرسالة، لا كمنصب.

وفي الوقت الذي حمل فيه التقرير نقداً مبطناً لأداء بعض الوزراء الذين غلبت على تجربتهم الرمزية أكثر من الإنجاز، برز النجداوي كنقيض لهذا النمط، إذ أثبت أن المسؤول الحقيقي هو من يترك بصمة في تفاصيل العمل، لا من يكتفي بالتصريحات أو التمثيل الشكلي، وهنا تتجلى قيمة النقد الأدبي الذي وضعه التقرير في نصابه، بأن قسّم بين من يحضر بالفعل ومن يغيب بالصمت.

إن عبد اللطيف النجداوي، بما عُرف عنه من اتزان وحكمة، يشكّل نموذجاً لرجل الدولة الذي يعرف أن الكلمة الطيبة لا تقل أهمية عن القرار الصائب، وأن حسن التعامل ليس ضعفاً، بل قوة تزرع الثقة وتصون الهيبة. واليوم، ومع موقعه الجديد، فإن التوقعات منه كبيرة، ليس لأنه وزير دولة وحسب، بل لأنه ابن مدرسة عريقة اسمها رئاسة الوزراء.

وأنا إذ أكتب هذه الكلمات، فليس رياءً ولا مجاملة، بل شهادة حقّ لرجلٍ خبرته التجربة وعرفته من خلال عملي معه وعرفته مواقع المسؤولية، رجلٍ جمع بين دماثة الخلق وصدق الأداء، وبين نزاهة اليد وعمق الانتماء، إنها شهادة أردني يقرأ التجربة بعين الناقد، ويضع الأمور في نصابها بميزان العدل والإنصاف.