هل ستكون الطفيلة بلا أحزاب عام 2029؟

تشير الأرقام الرسمية الصادرة عن الهيئة المستقلة للانتخاب إلى أزمة آخذة في التفاقم تهدد مستقبل المشاركة الحزبية في محافظة الطفيلة، إذ تراجعت نسبة المنتسبين للأحزاب السياسية في المحافظة من 1.77 بالمائة إلى 1.70 بالمائة من إجمالي 84,597 منتسبًا على مستوى الأردن، وذلك خلال مدة ستة أشهر فقط، مما يثير القلق من تراجع متواصل في الثقة بالأحزاب، وهو تراجع تدفعه عوامل اجتماعية واقتصادية متشابكة، وسط تساؤلات خبراء ومهتمون بالشان السياسي حول ما إذا كانت الطفيلة قد تصل إلى مرحلة خلوها من الحزبيين بحلول عام 2029 في حال استمرار هذا التراجع بالوتيرة ذاتها.

وبالاستناد إلى الأرقام؛ فإن عدد المنتسبين في الطفيلة بلغ نحو 1,699 قبل ستة أشهر، بناءً على نسبة 1.77 بالمائة من أصل 96,000 منتسب على المستوى الوطني، بينما يبلغ اليوم 1,438 منتسبًا فقط (1.70 بالمائة من أصل 84,597 منتسبًا وطنيًا)، مما يعني أن المحافظة فقدت 261 منتسبًا في فترة وجيزة، أي بمعدل يقارب 44 منتسبًا شهريًا، ووفق هذه الوتيرة؛ فإن الطفيلة قد تشهد في أواخر عام 2028 انهيارًا شبه كامل في المشاركة الحزبية إذا لم تُتخذ خطوات جدية لإيقاف هذا النزيف.

استندت في تحليلها الخاص إلى استطلاع علمي أجري على عينة من 100 مواطن في المحافظة، إضافة إلى شهادات لمنتسبين سابقين في الأحزاب، حيث جاءت نتائج الاستطلاع لتؤكد حجم الفجوة بين المجتمع المحلي والعمل الحزبي؛ إذ أبدى 31 مواطنًا مخاوف من فقدان فرص العمل بسبب الانتماء الحزبي، فيما رأى 23 أن الأحزاب لا تقدم لهم أي جدوى شخصية، أما 27 مشاركًا فأقروا بجهلهم لدور الأحزاب أصلًا، في حين اعتبر 19 آخرون أن الأحزاب أداة لمصالح القيادات فقط، لتعكس هذه الأرقام ضعفًا في الوعي السياسي من جهة، وتكشف عن تصدع في ثقة المجتمع بمؤسسات العمل الحزبي من جهة أخرى، إضافة إلى تأثير واضح لطغيان الانتماء العشائري على حساب الانتماء الحزبي.

ويوضح الدكتور عودة الزيدانيين، أستاذ علم الاجتماع، أن العزوف عن الانتساب للأحزاب في الطفيلة مرتبط إلى حد كبير بتجارب سابقة لم تقدم نتائج ملموسة، وهو ما ولد إحباطًا عامًا، مشيرا إلى أن بعض المواطنين استقالوا بعد أن اصطدموا بتكتلات داخلية وغياب التقدير، مما عزز قناعتهم بعدم جدوى الاستمرار.

في السياق ذاته؛ تروي إيمان السعودي تجربتها الشخصية مع أحد الأحزاب، حيث التحقت منتصف العام الماضي لكنها سرعان ما فقدت الأمل في أن تجد لنفسها موقعًا مؤثرًا داخل الحزب، موضحة أن شعورها بالتهميش، وعدم وجود فرصة حقيقية للوصول إلى مراكز صنع القرار، جعلاها تتخلى عن فكرة مستقبل سياسي عبر العمل الحزبي.

وعلى الرغم من أن قانون الأحزاب رقم 7 لسنة 2022 جاء لتسهيل الانتساب وتوسيع الأنشطة الجامعية ودعم التمويل الحزبي؛ إلا أن التطبيق في الطفيلة لا يعكس هذه التسهيلات بالشكل المطلوب، فالأرقام تشير بوضوح إلى تراجع مستمر في نسبة المنتسبين، وهو ما يدق ناقوس الخطر بشأن مستقبل المشاركة الحزبية في المحافظة خلال الأعوام المقبلة.

المهندس محمود الجرابعة، الذي قدّم استقالته من أحد الأحزاب السياسية، يؤكد على أن العديد من المواطنين فقدوا ثقتهم ببرامج الأحزاب لغياب التطبيق العملي،وبرأيه؛ فإن مرور نحو عامين على إطلاق هذه البرامج دون أن تخرج من الأدراج، عمّق الفجوة بين الأحزاب والمجتمع المحلي، ومضيفا أن غياب عدد من القيادات الحزبية عن التماس المباشر مع المواطنين، وعدم الاستماع لتطلعاتهم أو إشراكهم في تطوير الرؤية الحزبية، زاد من حدة الإحباط وأدى إلى تراجع الإقبال على الانتساب.

ويطالب الجرابعة بضرورة التدخل العاجل من خلال برامج واقعية تقوم على الشفافية والمصارحة مع المواطنين، لإعادة بناء جسور الثقة، حيث أن استمرار هذا العزوف سيؤدي إلى تفريغ الطفيلة من صوتها الحزبي، وهو أمر يتجاوز الجانب السياسي إلى كونه قضية مرتبطة بالمستقبل الاجتماعي والاقتصادي أيضًا.

إن الأرقام التي تكشفها الهيئة المستقلة للانتخاب، وآراء المواطنين والخبراء، كلها تضع صورة واضحة أمام صناع القرار والقيادات الحزبية في الطفيلة، وتدعو إلى وقفة جادة تعيد الاعتبار للعمل الحزبي في المحافظة. فالمشهد الحالي؛ الذي يتسم بخسارة 261 منتسبًا خلال حوالي النصف عام؛ هو تحذير صريح من مستقبل قد يشهد فيه العمل الحزبي في الطفيلة تراجعًا يصل حد الغياب الكامل إذا لم يتم التعامل معه بجدية.

الرأي