النظام الداخلي لمجلس النواب .. ضرورة لإصلاح تشريعي
الدكتور هاشم احمد بلص
في التجربة البرلمانية، يمثل النظام الداخلي لمجلس النواب الإطار الناظم لسير العمل النيابي، وهو الوثيقة التي تُنظم العلاقة بين النواب ومكونات المجلس، وتضمن الانضباط البرلماني والتمايز بين أشكال التمثيل، إلا أن الواقع العملي في العديد من البرلمانات، ومنها برلماننا الحالي، يكشف عن خلل واضح في هذا النظام، خصوصاً في ما يتعلق بعدم التمييز بين النائب المنتخب عن قائمة عامة (حزبية) والنائب المنتخب عن قائمة محلية (فردية)، وهو خلل بات يفرغ التمثيل السياسي من مضمونه ويمس بجوهر العمل الحزبي القائم على الالتزام والانضباط الجماعي.
إن أحد أبرز أوجه القصور في النظام الداخلي يتمثل في معاملة النواب الفائزين عن القوائم العامة (الحزبية) معاملة مساوية تمامًا للنواب الفائزين عن القوائم المحلية أو الفردية، هذا التساوي، الظاهري في شكله، غير عادل في مضمونه، لأنه يتجاهل حقيقة أن النائب الحزبي لا يمثّل نفسه فقط، بل يمثّل مشروعًا سياسيًا جماعيًا وبرنامجًا انتخابيًا تبنّته قائمة حزبية كاملة صوت لها المواطنون على هذا الأساس.
ففي ظل غياب تمييز تنظيمي واضح، يُسمح للنائب الحزبي بالتحرّك بحرية تامة داخل المجلس، بما في ذلك الانسحاب من قائمته أو الانضمام إلى كتل برلمانية أخرى، دون وجود أي رادع أو إجراء قانوني داخلي يُنظم هذا السلوك، ما يؤدي إلى ظاهرة "السياحة البرلمانية" وتقويض الانضباط الحزبي، بل ويفتح الباب أمام التجاذبات والمساومات السياسية.
حيث تتجلى المعضلة بشكل أوضح في ما يتعلق بتشكيل الكتل أو الائتلافات النيابية داخل المجلس، فالنائب الذي وصل إلى البرلمان عبر قائمة حزبية يفترض أن يكون ملتزمًا بها باعتبارها الكتلة التي يمثّلها حُكمًا، إلا أن النظام الداخلي لا يعترف بالقائمة الحزبية ككتلة تلقائية، بل يُعامل نوابها كأفراد أحرار يمكنهم الانضمام إلى أي كتلة أو إنشاء كتل جديدة، حتى وإن تعارض ذلك مع البرنامج السياسي الذي أوصلهم إلى البرلمان، وهذا يفرّغ العمل البرلماني من مضمونه السياسي، ويؤدي إلى تمثيل مفكك لا يعكس الإرادة الشعبية التي صوّتت لصالح قوائم حزبية بناءً على برامج محددة ومواقف سياسية واضحة.
انطلاقًا من ما سبق، فإن الواقع البرلماني يفرض ضرورة إجراء تعديل عاجل على النظام الداخلي لمجلس النواب يأخذ بعين الاعتبار طبيعة التمثيل السياسي للحزبيين، ويميز بوضوح بين النواب الفائزين عن القوائم العامة (الحزبية) والنواب الفائزين عن القوائم المحلية أو الفردية.
ويقترح هذا التعديل النقاط التالية:
1.اعتبار النواب الفائزين عبر القوائم العامة (الحزبية) كتلة برلمانية تلقائية لا يجوز لأي نائب من أعضائها الخروج منها أو تشكيل كتلة مستقلة عنها خلال الدورة البرلمانية ذاتها.
2.تُمنح القائمة الحزبية حق التصويت لرئيسها بعدد المقاعد التي حصلت عليها في البرلمان، في ما يتعلق بالقرارات التنظيمية داخل الكتل، أو التمثيل في اللجان، أو التصويت على التحالفات، بما يضمن وحدة الصوت الحزبي.
3.فرض جزاءات تنظيمية داخل المجلس بحق النواب الذين يخرقون الالتزام السياسي تجاه قوائمهم الحزبية، مثل تجميد المشاركة في بعض اللجان أو حجب بعض الامتيازات الإدارية.
4.التفريق بوضوح في النظام الداخلي بين النائب "الحر" (الفائز عن قائمة فردية أو محلية) والنائب "الملتزم حزبياً"، من حيث الحقوق والواجبات داخل المجلس.
إن تجاهل هذا التمايز الجوهري بين أشكال التمثيل النيابي يُعد خللاً بنيوياً يعصف بجوهر العمل الديمقراطي، ويفتح المجال أمام العبث السياسي داخل البرلمان، لا يمكن بناء برلمان قوي ومتماسك دون احترام الإرادة الشعبية التي تم التعبير عنها عبر صناديق الاقتراع، ولا بد من أن تعكس الأنظمة الداخلية هذا الالتزام، فالإصلاح السياسي لا يبدأ فقط من صناديق الاقتراع، بل من طريقة تنظيم العلاقة بين المكوّنات البرلمانية داخل المجلس، وعلى رأسها الحفاظ على وحدة الكتل الحزبية وضمان انضباط أعضائها، بما يخدم مصلحة الوطن ويعزز الثقة بالعملية السياسية ككل.