الأردن بين التوازن الدولي والتحديات الفلسطينية
ماجد احمد السيبيه
الأردن بلدٌ يتقن السير على الحافة، يمسك بيد أوروبا كعمق استراتيجي، وبالأخرى تحالفًا تاريخيًا مع واشنطن، فيما يراقب بعين حذرة التطورات في الشرق الأوسط. موقعه الجغرافي وقربه من غزة والضفة الغربية يجعله في قلب الأحداث الإقليمية، ويضع على عاتقه مسؤوليات كبيرة تتجاوز حجمه الجغرافي والسياسي. في قلب هذه التعقيدات، يبرز الملك عبدالله الثاني كقائد يوازن بين الضغط الدولي والحاجة الداخلية للاستقرار، محافظًا على علاقات متوازنة مع القوى الكبرى، ومتصدياً وحيدًا في كثير من الأحيان للقضايا الإقليمية الحساسة.
أوروبا بالنسبة للأردن ليست مجرد شريك اقتصادي أو مانح مساعدات، بل تشكل عمقًا استراتيجيًا حيويًا. التعاون الأوروبي يوفر دعمًا دبلوماسيًا قويًا في مواجهة التحديات المتعلقة بالقضية الفلسطينية وملف اللاجئين، ويتيح لعمان استخدام هذه التحالفات للضغط على أي طرف يحاول تهديد الاستقرار في المنطقة. بالإضافة لذلك، يشمل التعاون الأوروبي المجالات الاقتصادية والتقنية، ما يعزز قدرة الدولة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
تحالف الأردن مع الولايات المتحدة يشكل ركيزة أساسية للأمن والدعم الدولي، لكنه يأتي مع تحديات واضحة بسبب الانحياز الأمريكي لإسرائيل. هذا الانحياز يضع المملكة أمام معادلة دقيقة: الحفاظ على الدعم الأمريكي الضروري، مع حماية مصالحها الوطنية والقضية الفلسطينية. السياسة الأردنية تعتمد على الموازنة الذكية بين هذه القوى، حيث تحافظ على التعاون الاستراتيجي مع واشنطن، وفي الوقت نفسه تسعى لتكوين تحالفات دولية إضافية لدعم الموقف الفلسطيني والحد من تداعيات أي حرب في غزة أو الضفة الغربية.
في الوقت الذي يركز فيه الأردن على علاقاته مع الغرب، يسعى أيضًا إلى تنويع شراكاته الدولية. الصين توفر فرصًا اقتصادية وتقنية مهمة، بينما روسيا، رغم انخفاض نفوذها الإقليمي، تبقى طرفًا يجب الانتباه له في إدارة الملفات الدولية. هذه الشراكات تمنح الأردن مرونة دبلوماسية تمكنه من التعامل مع الملفات الحساسة دون الانجرار لصدام مباشر مع أي طرف إقليمي.
الأردن يقف في قلب الأحداث الفلسطينية، ويصبح كل تصعيد في غزة اختبارًا لقدرة الدولة على جمع التحالفات الدولية ودعم القضية الفلسطينية. مواجهة الانحياز الأمريكي لإسرائيل تتطلب دبلوماسية نشطة مع الاتحاد الأوروبي، الدول العربية، والمنظمات الدولية لضمان حقوق الفلسطينيين والحد من التهجير القسري. الأردن يسعى لتنسيق الجهود الإنسانية والسياسية، مستفيدًا من موقعه كوسيط موثوق وممثل للحقوق الفلسطينية على الساحة الدولية، مع الحفاظ على استقراره الداخلي وقدرته على حماية حدوده.
القدرة الأردنية على إدارة الملفات الحساسة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإصلاح الداخلي. تعزيز المؤسسات، تحسين الأداء الاقتصادي والإداري، ودعم الشفافية، يمنح المملكة مصداقية دولية أكبر ويعزز قوتها الدبلوماسية. كلما كان الداخل مستقرًا وقويًا، أصبح الأردن أكثر قدرة على التأثير في الساحة الدولية، والضغط على شركائه لاحتواء الأزمات دون أن يتحمل العبء وحده.
في مواجهة تحديات فلسطين وغزة والانحيازات الدولية، يثبت الأردن أنه قادر على الحفاظ على توازنه ومصالحه الوطنية من خلال تحالفات استراتيجية متعددة، استخدام الإصلاح الداخلي كدعامة، والتصرف كوسيط موثوق بين القوى الكبرى. هذه المرونة تجعل من المملكة لاعبًا مؤثرًا في الإقليم، قادرًا على حماية حقوق الفلسطينيين وإدارة الأزمات بحكمة، مهما كانت الضغوط الدولية صعبة ومعقدة.