شكراً يا أهل كتالونيا

عامر طهبوب

الكتالونيون توافدوا أمس الأول من جبال البرانس في الشمال الشرقي من شبه الجزيرة الإيبيرية بالآلاف إلى ميناء عاصمتهم في برشلونه، ليودعوا أكبر أسطول بحري إنساني يبحر في عباب البحر الأبيض المتوسط نحو شواطئ غزة؛ خمسون سفينة وقارباً للصيد حملت على متنها نشطاء من أكثر من 44 دولة حول العالم، ليكتبوا التاريخ، أو ليعيدوا كتابته كما يليق بأهل غزة وتضحياتهم، وكما يليق بقضيتهم العادلة في مواجهة أكبر قوة استعمارية عنصرية متغطرسة في التاريخ الحديث.

نعم، فشلت «مادلين» في الوصول إلى شاطئ غزة يوم اعترضتها قوات الاحتلال في التاسع من حزيران الماضي، ونعم، فشلت سفينة الصيد النرويجية «حنظلة» في تحقيق الحلم، اقتادها جيش الاحتلال من المياه الإقليمية نحو ميناء عسقلان، واعتقلت إسرائيل جميع النشطاء في السابع والعشرين من تموز قبل ترحيلهم، لكن «مادلين» و»حنظلة» ظلا رمزاً حاضراً، كما كانا حافزاً للجنة كسر الحصار العالمية لتنظيم هذا الحشد من السفن والقوارب غير المسبوق للتوجه إلى شواطئ غزة من جديد، وتعود ثانية الناشطة السويدية «غريتا تونبرغ»، وتعود الناشطة ياسمين أكار عضواً في اللجنة التوجيهية لأسطول الصمود وهي تصر على العودة من جديد متلفحة بالكوفية الفلسطينية، ويعود ناشط أميركي من جديد والذي كان يخطط السفر إلى أسرته في كاليفورنيا، لكنه قرر العودة إلى البحر مرة أخرى على متن إحدى سفن أسطول الصمود وهو يقول: ستتفهم عائلتي قراري.

ما يثلج الصدر أن هذه السفن ستبحر نحو تونس، وسينضم لها سفن أخرى ونشطاء من تونس وغيرها من أقطار عربية قبل أن تواصل مسيرتها إلى إيطاليا حيث سينضم للأسطول سفن أخرى كذلك، ولا يمكن التقليل من هذا الجهد الإنساني الملفت، ولا من شأن أهل كتالونيا، ورئيس بلدية برشلونة الذي أصدر الاحتلال قراراً بمنعه من دخول «إسرائيل» نتيجة لتسهيل مهمة النشطاء، والسماح لهذا العدد من السفن والقوارب بالرسو في ميناء المدينة، وأن تكون الانطلاقة نحو شواطئ غزة من ميناء برشلونة.

الحكومة الإسرائيلية مرتبكة، واليميني العنصري المتطرف بن غفير يعد الخطط لمواجهة الأسطول، ويقدم المقترحات لنتنياهو بضم السفن إلى أسطول شرطة الكيان، واعتقال النشطاء في سجون قاسية كسجن الدامون المخصص للنساء، ولا أظن أن حكومة الكيان ستسمح لهذه السفن بالوصول إلى شواطئ غزة، لكن التعامل مع هذا العدد من السفن، وهذا العدد من نشطاء ينحدرون من أكثر من 44 دولة، لن يكون سهلاً، وسيسهم المنع والتعدي على المشاركين في الرحلة، في تعزيز الصورة القبيحة للكيان الصهيوني الذي يصر على القتل والتجويع، وعلى قتل العشرات يومياً من أولئك الباحثين عن لقمة العيش، أولئك الذين ينتظرون أكياس الطحين المغمسة بالدم.

حجم الألم الذي يعانيه أهلنا في غزة لا يحتمله بشر غيرهم، لكن الأمل بالله أولاً، والأمل بالبقاء على الأرض وعدم مغادرتها، أكبر من حجم الألم، وسيتطلع أهل غزة بأمل إلى هذه القافلة من السفن، أمل كسر حصار فاق في قسوته حصار ليننغراد وستالينغراد، ومدينة وورزو في بولندا، بل أشد قسوة من حصار طروادة، وأكثر خراباً وتدميراً مما حدث لهيروشيما في التاسع من آب عام 1945، ومن يشاهد الخراب في غزة، سيظن أن المدينة تعرضت إلى قصف بعدة قنابل نووية، لا قنبلة واحدة، لكن نتنياهو لا يشبع من القتل، ولا توقفه مشاهد الدمار الشامل، ولا يكترث حتى للأسرى الإسرائيليين في غزة طالما أن ولده يتسكع على شواطئ فلوريدا بحراسة ثلاثة من رجال الأمن.