صور وكتابات صحفية أمريكية تعيد إحياء ذكريات الصين في زمن الحرب
وكالة أنباء شينخوا
فيما تواصل الصين تحضيراتها لإحياء الذكرى السنوية الـ80 لانتصارها في حرب المقاومة ضد العدوان الياباني في يوم 3 سبتمبر، تخيّم ذكرى قوية ذات تأثير بالغ على بلدة نائية في مقاطعة هوبي بوسط الصين.
في محافظة داوو التي كانت ذات يوم قاعدة هامة لمقاومة اليابانيين مخفية في أعماق الجبال، تتواصل التحضيرات النهائية لإقامة معرض لتكريم الفرقة الخامسة من الجيش الرابع الجديد، وهي قوة تابعة للحزب الشيوعي الصيني كانت متمركزة هناك خلال حرب المقاومة ضد العدوان الياباني (1931-1945). القطع الأثرية التي سيتم عرضها والتي يزيد عددهها عن 10 قطع، تبرّع بها أحفاد الجنود في زمن تلك الحرب.
من بين القطع المذكورة، صورتان نادرتان بالأبيض والأسود التُقطتا في داوو في حوالي العام 1940 من قبل الصحفية الأمريكية آغنيس سميدلي.
كانت سميدلي قد وصلت الصين في أواخر العام 1928 وأمضت أكثر من عقد من الزمن في العيش والعمل كمراسلة في الصين لتوثّق كلا من وحشية العدوان الياباني وصلابة وصمود المقاومة الصينية.
في أوائل العام 1940، سافرت سميدلي إلى عمق منطقة داوو الجبلية التي كانت آنذاك معقلا لكتيبة خنان-هوبي التابعة للجيش الرابع الجديد، حيث كانت قوة حرب عصابات تنشط على بعد 100 كيلومتر فقط من ووهان المحتلة من قبل اليابان، وتعتبر السلف للفرقة الخامسة.
بعد 85 عاما، سافر أبناء المحاربة القديمة الراحلة وو داو يينغ من بكين إلى داوو حاملين معهم صور سميدلي التي تضم والدتهم إلى المكان نفسه حيث قاتلت في السابق، وتبرعوا بتلك الصور إلى أرشيف المحافظة.
ووفقا لـ سونغ شن قوانغ، وهو ابن وو، فإن الصورة التي صوّرتها سميدلي لم يتم تظهيرها في ذلك الوقت نظرا للظروف وقت الحرب، مضيفا أن والدته لم ترَ الصور لأول مرة حتى ثمانينيات القرن الماضي.

نسخة ممسوحة ضوئيا من صورة أرشيفية التقطتها الصحفية الأمريكية آغنيس سميدلي في شهر فبراير من العام 1940. وتظهر الصورة شنغ قوه هوا (الصف الأمامي، ينظر للأسفل) خلال صورة جماعية مع بعض أعضاء فرقة الأطفال التي رافقت كتيبة خنان-هوبي التابعة للجيش الرابع الجديد (السلف للفرقة الخامسة) في قاعدتها بمقاطعة هوبي بوسط الصين. (القاعة التذكارية للفرقة الخامسة التابعة للجيش الرابع الجديد / شينخوا)
أخبر سونغ وكالة أنباء شينخوا أن والدته كانت تعتز بقصة إحدى الصور الجماعية الخاصة حتى وفاتها في عام 2023.
تظهر الصورة المذكورة وجوها مبتسمة لأطفال وجنود. كان الأطفال جزءا من فرقة ترافق الجيش، كانوا صغارا جدا لخوض غمار القتال لكنهم كانوا أساسيين في تعزيز الروح المعنوية بالأغاني والرسائل، وكانت وو إحداهم رغم أنها لم تكن قد بلغت الثانية عشرة من عمرها وقتها.
ولكن أكثر ما يلفت الانتباه في الصورة صبي في الوسط، رأسه منخفض يدعى شنغ قوه هوا. فبعد أن كان متسولا في الشوارع، توسّل شنغ للانضمام إلى الجيش وتم تعيينه ليكون مرافقا لسميدلي خلال زيارتها.
واستنادا إلى رواية وو، وبعد مشاهدة عرض من قبل القوات، طلبت سميدلي من الأطفال الوقوف من أجل التقاط صورة ودعت شنغ للانضمام إليهم.
كان شنغ خجولا، واستذكر سونغ كلام والدته عندما قالت: "لربما شعر بالتوتر لوجوده في الصورة فخفض رأسه في لحظة التقاط الصورة".
وعلى الرغم من ظهوره بالكاد في الصورة، ترك شنغ انطباعا دائما عند سميدلي. ففي كتابها الذي صدر في العام 1943 بعنوان "نشيد معركة الصين" الذي وثّقت فيه تجاربها المباشرة خلال السنوات الأولى لحرب المقاومة الصينية، بما فيها مقالة بعنوان "ولدي الصيني" سلّطت سميدلي الضوء على الرابط القصير ولكنه مؤثر الذي جمعها مع شنغ خلال فترة زيارتها التي استمرت ثلاثة أشهر للقاعدة.
في الكتاب المذكور، وصفت سميدلي شنغ الذي كان يبلغ من العمر وقتها 10 أو 11 عاما بأنه كان يمتلك "تلك الحكمة الغريبة لأطفال الصين" مضيفة: "عندما أكبر، أريد الانضمام إلى سلاح الفرسان ومحاربة اليابانيين، قالها لي كوه-هوا أكثر من مرة". وعندما كانت تستعد لمغادرة داوو، عرضت أن تقوم بتبنيه واصطحابه معها إلى الخارج ليتعلم. وعلى الرغم من ذلك، رفض شنغ وقال: "يتوجب على جميع الرجال البقاء على الجبهة" مضيفا: "يمكنك أن تتبنيني بعد الانتصار النهائي".
لم يأتِ ذلك اليوم أبدا بالنسبة لـ شنغ الذي استشهد لاحقا في المعركة وكان واحدا من الأرواح الشابة العديدة التي ارتقت على التضاريس الوعرة في وسط الصين، حيث استشهد أو أصيب أكثر من 13 ألف جندي من الفرقة الخامسة خلال المعارك.
وقال سونغ: " تذرف أمي الدموع في كل مرة تنظر فيها إلى الصورة" مضيفا: "ليس من أجل شنغ فقط، وإنما على جميع الأصدقاء الذين لم يتمكنوا من العودة لديارهم".
قصة شنغ التي حُفظت في كتابات سميدلي ونُقلت عبر وو، ستصل قريبا إلى جمهور أوسع من خلال المعرض المزمع إقامته في القاعة التذكارية للفرقة الخامسة التابعة للجيش الرابع الجديد الذي يقع بالقرب من المقر السابق للفرقة في داوو.
برزت القاعة التذكارية والموقع التاريخي خلال السنوات الماضية كمركز هام للتعليم النضالي ليستقطب أكثر من 300 ألف زائر سنويا من خلال ما يوفره من برامج غنية ذات موضوعات ثورية.
وفي هذا السياق، قال فو بوه، المشرف على مواقع التراث الثوري في داوو: "هذه الذكريات الشخصية الهادئة، مثل صورة شنغ وهو يخفض رأسه، تضفي عمقا للرواية الكبرى عن المقاومة"، مضيفا: "إنها تساعد شباب اليوم على إدراك أن النصر لم يكن مجرد انتصارات في المعارك، بل كان قائما على الخيارات والشجاعة والتضحية".
واليوم، في سن السبعين، يعد سونغ عضوا في مجتمع بكين للجيش الجديد الرابع، نشأ على قصص من جيل والدته واستوحى من أعمال مثل سميدلي، وهو ملتزم بتوريث إرث عائلته بمشاركته مع الذاكرة الشعبية - إرث يُبرز كيف اتحد الشعب الصيني مع الآخرين حول العالم من الذين وقفوا مع السلام والعدالة، اتحدوا معا للانتصار في حرب التحرير الوطني.
وقال سونغ: "بعض الذكريات لا يجب أن تُحفظ في ألبوم صور، إنها تنتمي إلى جميع الناس، وهي ليست مجرد شاهد على الماضي، لأنها تسطع كحقائق لا تزال تُجسّد حقيقة من نكون".