هاني الملقي… الانضباط المالي في مواجهة إرث المديونية
هاني الملقي… الانضباط المالي في مواجهة إرث المديونية
محمد علي الزعبي
لم تولد المديونية العامة فجأة، ولم تُكتب أرقامها بين ليلة وضحاها، بل هي حصيلة سنوات متعاقبة حملت آثار سياسات مترددة وتحديات متراكمة. وجاءت حكومة الدكتور هاني الملقي (2016–2018) لتجد نفسها في قلب عاصفة مالية ونقدية، حيث تراكمت الديون كجدار شاهق بُني لبنة لبنة عبر حكومات سابقة، حتى صار عبئًا يهدد استقرار المالية العامة ويثقل كاهل الدولة.
غير أن ما ميّز حكومة الملقي أنها لم تستسلم لثقل الإرث، ولم تتعامل مع الأرقام بروح الإنكار أو الاستسهال، بل واجهت الحقيقة بشجاعة، وسعت إلى كبح جماح الاستدانة وضبط وتيرتها. ورغم أن حجم الدين بقي مرتفعًا، إلا أن المؤشرات تُظهر أن حكومة الملقي كانت من أقل الحكومات استدانة، إذ أبطأت من سرعة التراكم، واعتمدت سياسة مالية أكثر انضباطًا، ومزجت بين التمويل المحلي المدروس وتمديد آجال الدين لتخفيف مخاطره المستقبلية.
لقد واجه الملقي وحكومته ضغوطًا هائلة، فالإقليم كان يغلي، والاقتصاد العالمي يمر بأزمات، والداخل مثقل بتبعات لجوء وتباطؤ نمو. ومع ذلك، لم تترك حكومته السفينة للتيار، بل أمسكت بدفة القيادة، محاوِلةً أن تمنع المديونية من الانفلات، ولو على حساب كلفة سياسية جسيمة دفعتها لاحقًا في الشارع. وهنا يكمن جوهر التجربة: شجاعة في اتخاذ القرار، وانضباط في إدارة الأزمة، وإصرار على وضع مصلحة الدولة فوق الحسابات الضيقة.
واليوم، ونحن نعيد قراءة تلك الحقبة، ندرك أن حكومة الملقي لم تُغلق ملف الدين ولم تنهِ أزماته، فذلك أمر يتجاوز دورة حكومية قصيرة، لكنّها وضعت بصمة فارقة عنوانها: كبح التسارع بدلًا من مراكمة العجز. وهذه البصمة تبقى درسًا في كيفية التعاطي مع أصعب الملفات الوطنية.
ومع تسلّم دولة الدكتور جعفر حسان دفة سفينة الرابع اليوم، يبرز السؤال: هل سيعيد إحياء نهج الملقي في إدارة التحديات المالية، وهو الذي كان أحد أعمدته الاقتصادية؟ أم ستفرض تعقيدات المرحلة الراهنة أدوات جديدة تستلهم من التجربة وتضيف عليها؟
بين الماضي والحاضر يبقى الثابت أن الملقي قدّم نموذجًا للانضباط المالي في زمن الضغوط، نموذجًا سيظل حاضرًا في ذاكرة الدولة كإشارة إلى أن مواجهة الأزمات تتطلب شجاعة وإرادة، أكثر مما تتطلب مجاملة أو تأجيلًا.