الابتكار وتطوير القطاع العام في الأردن

ماجد احمد السيبيه

يُعد تطوير القطاع العام في الأردن من أبرز التحديات الوطنية، نظرًا لارتباطه المباشر بجودة الخدمات وثقة المواطنين، إضافةً إلى دوره في تحسين بيئة الاستثمار. وقد أكدت الرؤى الملكية على ضرورة بناء جهاز إداري عصري يتميز بالكفاءة والمرونة والشفافية، قادر على الاستجابة لمتغيرات العصر ومتطلبات التنمية المستدامة.

وضعت الحكومات المتعاقبة خططًا واستراتيجيات طموحة شملت تحديث التشريعات، تبسيط الإجراءات، التحول نحو الخدمات الإلكترونية، تعزيز الحوكمة، وإعادة هيكلة المؤسسات العامة. وتشير الأرقام الرسمية إلى تقدم ملموس: فقد تم رقمنة حوالي 67.5% من الخدمات الحكومية (1,621 خدمة)، وتفعيل 1.4 مليون هوية رقمية عبر تطبيق "سند"، فيما ارتفعت نسبة السجلات الطبية الإلكترونية إلى 55%، ووصل التوظيف التنافسي في القطاع العام إلى 69% بعد أن كان شبه غائب.

ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر في الفجوة بين النظرية والتطبيق، إذ يقيم المواطن الإصلاح من خلال تجربته المباشرة عند طلب خدمة أو إنجاز معاملة، وما زال كثير من المواطنين يواجهون عقبات تتعلق بالبيروقراطية وطول الإجراءات. هنا يظهر الابتكار كأداة أساسية لتجاوز هذه العقبات، سواء من خلال إعادة تصميم الخدمات، تبسيط الإجراءات، استخدام الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، أو إشراك المجتمع المحلي والقطاع الخاص في الحلول.

الابتكار يحتاج إلى بيئة حاضنة تشمل: فهم الواقع المحلي، أدوات فعّالة قابلة للتطبيق، وإرادة سياسية وإدارية قوية تدعم التجريب والمساءلة. وفي هذا الإطار، يلعب الإعلام الوطني دورًا محوريًا ليس فقط في نشر الإنجازات، بل في تعزيز ثقافة الابتكار، ممارسة الرقابة، وبناء الثقة بين المواطن والدولة.

إن الأردن بدأ خطوات مهمة في الرقمنة والإصلاح الإداري، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل هذه الإنجازات إلى نتائج محسوسة للمواطن. وتجارب عالمية وإقليمية ناجحة تظهر الطريق: فـ دبي اعتمدت الحكومة الرقمية بشكل متقدم، فأصبح بإمكان المواطن إنجاز معظم معاملاته عبر الإنترنت دون الحاجة لمراجعة أي مكتب حكومي، مع نظام رقابة ومساءلة فعّال. أما سنغافورة، فركزت على التفكير التصميمي والابتكار المؤسسي لتقديم خدمات متكاملة وفعّالة، فيما وضعت الإمارات نموذجًا متقدمًا للجودة والكفاءة باستخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة لتحسين أداء القطاع العام. هذه الأمثلة تؤكد أن الابتكار المؤسسي المستدام، عندما يُدمج مع إرادة سياسية قوية وإشراك المجتمع والإعلام، يمكن أن يحوّل القطاع العام إلى محرك حقيقي للتنمية وجودة الحياة، وهو ما يمكن للأردن الاستلهام منه بما يتناسب مع خصوصيته الوطنية.

المطلوب اليوم هو ترسيخ الابتكار كممارسة يومية لا كمشاريع مؤقتة، وبناء شراكات حقيقية بين الحكومة والمجتمع والإعلام والقطاع الخاص، ليصبح القطاع العام الأردني أكثر مرونة وكفاءة، وينتقل من مرحلة "تسيير الأمور" إلى مرحلة "تحسين الأمور"، ليشعر المواطن بالفارق الحقيقي في حياته اليومية، ويصبح الأردن نموذجًا يحتذى في الإدارة العامة والابتكار المؤسسي.