هجمةٌ شرسةٌ في غير مكانها


الدكتور محمود عواد الدباس

1/3

تابعتُ العديدَ من المنشورات التي تناولت بالنقد الحادّ دولةَ رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عبدالله النُّسور. سببُ الهجمة الأساسي هو حديثُه عن قرار  مدير مخابرات اسبق بمنعه   من الترشُّح للانتخابات النيابية التي جرت عام 2007م، مع العلم أنَّ تزوير نتائج انتخابات ذلك العام تحدَّث عنه الكثيرون، ومنهم رئيس الحكومة بعد سنوات، الدكتور معروف البخيت. السؤال: لماذا لم يُقَلْ وقتَها إنَّ البخيت أضرَّ بدائرة الحقّ؟ بل إنَّ كثيرين اعتبروا تصريحَ البخيت شجاعًا! اليوم، يتمُّ ممارسةُ ازدواجية في الحكم على ذات الموقف، بمدح البخيت فيما يُذَمُّ النُّسور! في السياق ذاته، فإنَّ الوصفَ الحقيقي لعلاقة النُّسور مع المخابرات العامة، والتي تمتدُّ إلى عقود من السنين، هي أنَّها تدخل في حالة من المدِّ والجزر. السبب الرئيس في ذلك هو مهارةُ النُّسور اللغوية؛ فهو يُجيد فنَّ الكلام بدرجة احترافية، لسانُه قد يرفعُه ولسانُه قد يُطيح به! بكلِّ تأكيد، أنا شخصيًا مطلعٌ على قصص كثيرة في هذا الباب.

2/3

حينما كان النُّسور رئيسًا للوزراء، قال في مقابلة تلفزيونية، بشأن المداولات التي سبقت اتخاذَ إحدى القرارات الاقتصادية من حكومته، إنَّ تنسيبَ المخابرات العامة كان "لا"، وأنَّه هو مَن يتحمَّل المسؤولية، مضيفًا عبارة: "أنا أمامهم وهم خلفي!"، في إشارة إلى الولاية العامة لرئيس الحكومة، وأنَّ دورَ المخابرات هو تقديمُ التنسيبات التي تتعلَّق بالتداعيات الأمنية لأي قرار اقتصادي يُتَّخذ. مع ضرورة التأكيد هنا أنَّ هذه المقالة لا تدخل في الدفاع عن أي قرار اقتصادي اتَّخذه النُّسور خلال رئاسته للحكومة، لكنَّها تُسلِّط الضوءَ على علاقة رئيس وزراء مع العمود الفقري للدولة الأردنية، وهم المخابرات العامة. لعلَّه من المناسب القول إنَّ النُّسور نموذجٌ بارزٌ لشخصية دخلت في معارك كثيرة مع شخصيات كبيرة داخل مدينة  السلط وداخل الأردن، ومع مؤسسات سياسية سيادية أيضًا. في واقع التجربة العملية عبر كلِّ تلك العقود، فإنَّ النُّسور اعتاد على حالة المدِّ والجزر في علاقته مع الدولة، فقد اعتاد على دعم الدولة كما اعتاد على إقصائها له. تجاربُ ومحطات كثيرة تؤكِّد ذلك. بناءً عليه، فإنَّ تصريحَه الخاص بمدير المخابرات الأسبق بمنعه من الترشُّح للانتخابات شيءٌ طبيعيٌّ جدًّا ضمن مسيرة النُّسور السياسية. كان ذلك المدير لا يريده، لكنَّ المديرَ الذي جاء بعده لم يقف في وجه النُّسور، فعاد إلى النيابة من جديد، ومنها إلى رئاسة الوزراء.

3/3

ختامًا، هذه المقالة جاءت بعد توقُّفي عن الكتابة منذ الأول من حزيران، وهي خروجٌ عن قراري بالتوقُّف عن كتابة المقالات لأسباب كثيرة جدًّا. لكنَّ الضرورات تُبيح المحظورات! السببُ المباشر لذلك هو أنِّي كنتُ أحاول الاستفادةَ من تجربة النُّسور في علاقته المتعرِّجة والمتذبذبة مع الجهات السيادية في الدولة، من أجل استكمال طريقي السياسي المعبَّد بالأشواك والحواجز والموانع منذ ثلاثة عقود ونصفٍ والى الآن. لذلك، أقولها اليوم بكلِّ صراحة: كلُّنا عبدالله النُّسور، لكن على مستويات مختلفة! فقد يأتي شخصٌ في موقع سيادي فيُقصيك، كما قد يأتي شخصٌ آخر فيفتح الطريقَ أمامك. هذه هي الحقيقة بلا مجاملة. في السياق ذاته، وتكملةً له، وإلى الآن مرةً أخرى، فإنَّ الفرقَ بين بعضنا وبين النُّسور هو أنَّ النُّسور يصعد ويهبط، ثمَّ يصعد ويهبط، وهكذا دوليك! لكنَّنا نحن في ذات المكان، في قاع السُّلَّم السياسي!