حماية السيادة الوطنية في عصر الذكاء الاصطناعي

بقلم: مريم بسام بني بكار القادري

في عالم يدار بالخوارزميات أصبحت قوة الدول  تقاس  بقدرتها على إدارة البيانات والتحكم بالتكنولوجيا، فقامت بعض الدول بتعزيز السيادة الوطنية وتحقيق التوازن بين التقدم التكنولوجي والاستقلال الوطني باللجوء إلى الذكاء الاصطناعي السيادي
ان امتلاك الخوارزميات يعني ان الدولة لا تعتمد على  خوارزميات مطورة من شركات أجنبية لأنها قد تحتوي على "صندوق أسود” (Black Box) لا يمكن فهمه أو التحكم به بالكامل، لضمان الشفافية والأمان في المخرجات كما ان الاعتماد على الذكاء الاصطناعي المستورد يعني إمكانية تعرض الدول للابتزاز أو الاختراق أو التضليل المعلوماتي.

يعرف  مصطلح الذكاء الاصطناعي السيادي  Sovereign Artificial Intelligence (Sovereign AI) بأنه هو قدرة الدولة على التطوير والتشغيل و التحكم، وإدارة تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مستقل دون تبعية خارجية، مع ضمان حماية بياناتها السيادية وبنيتها التحتية الرقمية واستخدام هذه التقنيات لخدمة المصالح الوطنية من الاستغلال أو التسريب، وحماية الأسرار العسكرية والأمنية، وضمان خصوصية المواطنين، ومنع تعرض المؤسسات الوطنية للابتزاز السيبراني ، والمساهمة في بناء أنظمة رصد ذكية للأمن السيبراني تقوم بتحليل اي مخاطر وتساعد في الكشف المبكر عن الهجمات الرقمية، ما يعزز صمود الدولة في مواجهة التهديدات المستمرة في الفضاء الرقمي.

ان معظم الدول تستخدم الذكاء الاصطناعي في ادارة بياناتها لكن الذكاء الاصطناعي السيادي يختلف عنه من النواحي الاتية :
إذا كانت الدولة تعتمد على نماذج خارجية (مثل  GPT  أو Midjourney   أو Dall-E  ) فهي غير سيادية.

 إذا كانت بيانات مواطنيها تُرسل لمراكز خارجية فهي غير سيادية.

 إذا كانت البنية التحتية السحابية مملوكة لشركات أجنبية فهي غير سيادية.

الذكاء الاصطناعي السيادي يعني الاستقلال التام على مستوى البنية التحتية، البيانات، الخوارزميات، والمعالجة
بعض الدول العربية بدأت بالاتجاه نحو سيادة الذكاء الاصطناعي مثل الإمارات فهي تبني مركزًا للذكاء الاصطناعي السيادي في أبوظبي عبر G42 ومبادرات الشرائح المحلية.

وايضا السعودية تسعى لبناء نماذج لغوية عربية وتحليلات سيادية للبيانات ضمن رؤية 2030.

اما بالنسبة  للولايات المتحدة الأمريكية  ترى انها أداة للحفاظ على هيمنتها وفرض سيطرتها العالمية بذا فإن بعض الدول الاخرى أنشأت نماذج سيادية لتحمي نفسها من هيمنة اميركا مثل الصين والاتحاد الأوروبي والهند وروسيا وفرنسا.


تبذل القيادة الهاشمية جهودًا كبيرة في حماية أمن الأردن المعلوماتي وصون فضائه السيبراني من أي اختراقات واعتداءات، خصوصًا في ظل الأوضاع الجيوسياسية التي تحيط بالإقليم، حيث أصبح الأمن السيبراني جزءًا من الأمن الوطني الشامل.
 وفي ظل توجيهات ورؤى جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم وسمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني المعظم، فإن تحقيق مسارات التحديث السياسي والاقتصادي وبناء دولة حديثة قوية رقميًا يتطلب التوجه بالمستقبل الى الذكاء الاصطناعي السيادي لحماية القرار الأردني وحفظ البيانات الوطنية للوعي بأنه درع رقمي يحمي الوطن، ويصنع مستقبله بيد شبابه، وإرادة قيادته الحكيمة فعندما تقوم الاردن باستخدام نماذج ذكاء اصطناعي وتحلل بياناتها وتطويرها وادارتها ومعالجتها على منصات اجنبية هذا يعتبر مفهوم الذكاء الاصطناعي السيادي.

 الأردن غني بالعقول والأيدي الشبابية والكفاءات العلمية والمحترفين في البرمجة  وهذا يقودنا إلى ضرورة التوجه الحكومي الجاد نحو التحول الرقمي السيادي والتحديث وانشاء مركز وطني أردني للذكاء الاصطناعي السيادي ويساهم في تمكين الشباب الأردني بفرص عمل نوعية، وتعزيز مكانة الأردن إقليميًا في مجال الذكاء الاصطناعي وخطوة استراتيجية تخدم الأغراض الوطنية. 

ان استشراف المستقبل يقودنا الى ان الدول التي ستتحكم بالذكاء الاصطناعي السيادي هي الدول التي ستملك النفوذ المستقبلي في الاقتصاد والأمن والسياسة والإعلام، ومن هنا تأتي أهمية الاستثمار الجاد في بناء منظومة ذكاء اصطناعي سيادي لحماية الاستقرار الوطني ومصالح الدولة العليا.