رسالة من ميشع المؤابي إلى العجوز الخرف
محرر الشؤون السياسية
في خطابه الأخير، خرج بنيامين نتنياهو بتصريحات متعجرفة، مدّعيًا أنه في "مهمة تاريخية روحانية" لتوسعة حدود إسرائيل على حساب الأردن ومصر، ليثبت بأنه عجوز مزهمر فقد إدراكه لحدود القوة ولذاكرة الشعوب. هذا الغرور الفارغ ليس إلا مغامرة خطيرة قد تدفع المنطقة والعالم حينئذ إلى حافة هاوية، وإذا ظن أن الأردن سيقف مكتوف الأيدي، فهو لم يقرأ التاريخ جيدًا.
الأردن ليس دولة هشة في معادلة الأمن الإقليمي، ولا مجرد خط حدودي قابل للتعديل. نحن بوابة الفتوح، ولسنا ساحة عبور لأطماع توسعية. وإذا حاول نتنياهو جرّنا إلى مواجهة، فعليه أن يدرك أن في جعبة الأردن خيارات لا تخطر على باله، إنها عقيدة ردع حازم حارق، تعمل تلقائيًا إذا تجاوز العدو خطوطًا لا يمكن التراجع عنها، حيث تتحول الأرض والحدود كلها إلى مسرح للرد والعمليات والاختراق العميق جدا بلا إنذار مسبق وكأنها طاقات جهنم.
القوانين الدولية التي نتمسك بها اليوم، هي خيار استراتيجي لسلام واستقرار المنطقة، لكن لا يختبرنّ أحد صبرنا أكثر مما ينبغي. من يدفع الأردن إلى تجاوز هذه القوانين، عليه أن يتوقع أن تتحول حدودنا معه إلى طاقة جهنم تلتهم الغرور قبل الجيوش.
هذه العقيدة ليست ابتكارًا معاصرًا، بل هي امتداد لنهج عسكري عالمي أثبت أن الرد أحيانًا يمكن أن يكون تلقائيًا، شاملاً، ولا يمكن وقفه بمجرد انطلاقه، تمامًا كما فعلت بعض القوى الكبرى حين ربطت أمنها بخيار لا عودة فيه إذا تم تهديد وجودها.
لو أن نتنياهو ألقى نظرة متعمقة على تفاصيل معركة الكرامة عام 1968، لعرف أن الجغرافيا الأردنية ليست مجرد أرض، بل هي مصيدة طبيعية للغزاة، وأن إرادة الأردنيين، من الجيش إلى القبائل، قادرة على قلب الموازين في ساعات... للعلم كنا سندخل ونكمل حينها، وعليك أن تسأل عن وقع "المدفعية الأردنية المجنونة"، حتى وإن إمتلكت تكنولوجيا متطورة.
والأهم، أن الأردن، إذا وجد نفسه أمام تهديد وجودي، قد لا يكتفي بالدفاع عن حدوده الغربية، بل سيبدأ التفكير جديًا في استعادة السيادة على الضفة الغربية، بوصفها أرضًا عربية أردنية الهوية والتاريخ، ومفتاحًا لتوازن استراتيجي مفقود منذ عقود.
لقد آن لنتنياهو أن يعي أن الغطرسة لا تصنع أمنًا، وأن اللعب بالنار قرب البوابة الشرقية لفلسطين قد يحرق المشروع الصهيوني قبل أن يكتمل. هنا الأردن... ومن هنا تبدأ وتنتهي المعادلات.
حقق حلمك في أوروبا التي ولدتك بيبي، عد إليها وإستمتع بطقسها الجميل، هنا النار والحديد وقساوة الصحراء ورجالها فقط.