الأردن عصيّ على رؤية نتنياهو الروحية

لما جمال العبسه

في تصريحات جديدة له أعاد رئيس وزراء الكيان الصهيوني الفاشي بنيامين نتنياهو  إنتاج خطاب توسعي خطير، تمادى حتى وصف موقفه بانه في «مهمة تاريخية وروحية»، مرتبطة برؤية «إسرائيل الكبرى» التي تشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة وأجزاء من الأردن ولبنان وسوريا ومصر، ما يعني ان هذا التصربح إعلان نوايا توسعية تتجاوز حدود السياسة إلى ما يشبه القداسة الزائفة التي تلبسها وأراد من الجميع التصديق بها.

في ظل تصاعد الخطاب التوسعي الصهيوني، لم تعد تصريحات الفاشي نتنياهو مجرد استفزازات إعلامية، بل باتت تعكس مشروعا ممنهجا يهدد سيادة الدول، خاصة الاردن الذي وقف عصيا في وجه خططه التوسعية، بل وحمل مع الفلسطيني همه عقودا متتالية لخصوصية العلاقة فيما بينهما، فالقيادة الهاشمية تدرك تماما الامتداد بين هاتين الدولتين العظيمتين فهما وقفا في وجه كل المكائد التي تحاك لجعل الاردن وطنا بديلا للفلسطينيين كخطة مبدئية، والآن هذا الفاشي يتجاوز الامر للمجاهرة بالنوايا التي تنضوي تحتها رغبة في ضم الاردن الى هذه الدولة المزعومة، ولا ادل من تصريحات متتالية منذ بداية هذه الحكومة المتطرفة لوزراء متطرفين تنكر وجود الشعب الفلسطيني وتلمّح إلى ضم أجزاء من المملكة، غير آبهين بتعرضهم للسيادة الأردنية عبر انتهاكات صارخة تحت غطاء «الرؤية الروحية» التي تتبناها هذه الحكومة برمتها.

هذا النهج المتصاعد والنبرة التي ترتفع يوما بعد الاخر، المنكرة لوجود الاردن كدولة مستقلة بدأت بعرض خرائط تضم أراضيه ضمن وهم اسمه «إسرائيل الكبرى»، مرورا بهجمة أيديولوجية وسياسية تتعرض لها المملكة تهدد أمنها الوطني وتستفز تاريخها العريق، وصولا الى المجاهرة برؤى توسعية تشمل الأردن، حتى انهم ذهبوا إلى حد الظهور في مؤتمرات دولية أمام خرائط تلغي وجود المملكة، كل هذا يندرج تحت وقاحة سياسية وليست مجرد تطرف فردي، فهو بالتأكيد انعكاس لرؤية استعمارية تتغذى على خطاب ديني زائف، يبرر ضم الأراضي وسحق الشعوب تحت شعار «مهمة روحية وتاريخية».

هذا الطرح الوقح يعيد تدوير سردية استعمارية ترتدي عباءة الدين وفرض معتقدات زائفة لتبرير ضم أراضٍ وسحق شعوب ضاربة في التاريخ، اي اننا لسنا أمام مشروع سياسي فقط، بل أمام عقيدة إقصائية لا تعترف بالآخر إلا كعائق يجب إزالته، وهذا الامر في اوهامهم واحلامهم التدمرية الدموية، فهم لا يأبهون بأن يتحول الصراع من نزاع حدود إلى حرب وجود، وتفتح الباب أمام مزيد من الدماء، فالاردن قيادة وشعبا يفدى وطنه بروحه ولا يبالي، عقيدة ايمانية واخلاقية لا شائبة تشوبها.

هذا الفاشي الغاصب تحدث بملء الفم عن مملكتنا العتية العصية عليه وعلى حكومته، ونسي تماما تاريخها العريق وموقعها الجيوسياسي، وانها ليست ساحة مفتوحة لأوهامه ولا حقلا لتجارب وزرائه المتطرفين، وان  الرد الأردني دائما سيكون بحجم التهديد، فهو صارم دبلوماسيا، وواضح اعلاميا ومتماسك شعبيا خلف قيادته الهاشمية، اي ان التطاول على سيادته ليس مجرد خلاف سياسي، بل إعلان عداء يجب أن يُواجَه بحزم.

في وجه هذا المشروع التوسعي الذي يتغذى على الأوهام الدينية والتطرف السياسي، يجب أن يُقال بوضوح ان اردننا ليس أرضا مستباحة ولا كيانا قابلًا للمحو من خرائط المتطرفين،  فسيادة المملكة ليست قابلة للنقاش، ولا تُقاس برغبات الفاشي نتنياهو أو خيالات وزرائه، فكل خريطة تُرسم دون احترام لحدوده، وكل تصريح يتطاول على وجوده، هو اعتداء يجب أن يُواجَه لا بالاستنكار وحده، بل بإرادة سياسية لا تتراجع، وبصوت عربي لا يلين.