«سبّوبة»؟!

بشار جرار

يُعرّف طلب الرزق أو الاسترزاق عبر عمل إضافي أو مؤقت بمصطلحات عديدة منها «السَّبّوبَة» عند إخوتنا المصريين. والمصلحة أو الشّغْلِة أو «الطقطقة» في لهجات أخرى فيقال أن فلانا «يطقطق» في أوقات الفراغ أو بعد الدوام على مهنة ما كالسواقة أو التوصيل المنزلي في تطبيقات سهّلت حياة الناس وأفسدتها في بعض الحالات.

أما بالإنجليزي أو «الأرابيزي»، فيقول الشباب من أجيال العقود الثلاثة الماضية وما عرف ب»المِلِنيِلْزْ والجِن زي والأَلْفا»، يقولون باعتداد وأحيانا بخيلاء، «سايْد هَسِلْ» أو «غِغْ»! هذه الأخيرة الأكثر شيوعا في أوساط بعض الناشطين أو المؤثرين، كلما زاد الولع بالاستخدام -التوظيف- الخارجي «أَوْتْ سورسِنْغْ» وهي إحدى الإفرازات والآثار الجانبية لخلطة العولمة بتيارات سياسية اجتماعية منها اليسار المنحل المختل وما يُفتَرض أن يكون نقيضه، كتنظيمات ونظم «الإسلام السياسي والعسكري» بحسب مصطلحات المستشرقين وصنوهم معشر «المستغربين»!.

يفترض أن تكون السبّوبة مثلا أخذ بأسباب الرزق لا أن تكون مرتبطة -وأحيانا حصريا- بالسُّباب! اتضح بحسب جردة حساب قد يتم الكشف عنها قريبا، فإن بعض «الإنفلونسرز» هم في حقيقة الأمر متأثرون لا مؤثرين! ليس من حقي ولا أرضى لنفسي كشف المستور، إلا أن من بين من استرزقوا بالسّباب ليسوا مجرد ذباب الكتروني تحركهم مشاعر أو أهواء أو هواجس أو عُقد نفسية من بينها حبّ الظهور وشهوة المال والمصالح والحضور، بل هم موظفون بعضهم على نحو متفرغ، وبعضهم الآخر بعمل إضافي أو مؤقت كما الذي تم تعريفه أعلاه. يتأثرون بأموال تصرف بانتظام أو بالقطعة، فيسترزقون بلعب دور المؤثرين وكم كان مؤسفا أن بعضهم سرق اعترافا وربما تكريما، ما كان بأهله أبدا، ويقتضي ربما محاسبة أو على الأقل معاتبة من اتخذ قرارا بتصديرهم للناس، بعد أن شرب المقلب وبلغ الطعم.

جماعة السبوبة لا يقلون خطورة عن شلل ال «غِغْ» وتلفظ كما القاف الأردنية أو الجيم المصرية، أولئك شر من بعضهم البعض، هذا يتحدث للداخل والمحيط، وذاك «يرطن» بالأرابيزي بحثا عن مقاولة خارجية بالعملة الصعبة أو مجرد «سَفرة» فيها إحدى منافع السفر!.

لا عتب عليهم جميعا لأن العتاب على قدر المحبة. لكن العتب المشفوع بالأمل على أحبتنا الذين لا يكفون عن «كثرة التهلّي اللي تجيب الضيف الرّدي» كما قالها يوما سمو الأمير الحسن بارك الله في عمره.
في غفلة من بعضنا، يطرح البعض أنفسهم على أنهم من عشاق الطبيعة مثلا و من المؤمنين بجدوى الاستثمار بالسياحة، فيلقى قبولا ومن ثم رواجا وربما يتم تبنيه «برعاية واستضافة كاملة» حتى تتضح النوايا مع أول اختبار، فتراه أو تراها من الصفوف الأمامية أو الخلفية لذباب ودبابير إلكترونية تحركها تلك النظم والتنظيمات العدمية البائسة.

جهد مبارك الذي تجلي في الأيام القليلة الماضية، للتصدي الأهلي قبل الرسمي لكل من أساء وتطاول سواء فيما يخص العون الهاشمي والغوث الأردني لأهلنا في غزة أو السويداء، جهد مثمر نسأل الله أن يتحول إلى نهج ويتم ترسيخه مؤسسيا وتجذيره بالقوانين والنظم ذات الاختصاص.

من تلك الجهود المرجوة، الشفافية التامة وبأقل كلف ممكنة وبلا توقيع! من حق المتأثرين من الجمهور المحلي أو الخارجي، خاصة عبر من يتولى الرصد كبعض السفارات أو المراكز البحثية المهتمة بكل ما يخص الأردن والأردنيين، من حق المتأثرين معرفة أولئك المؤثرين بأسمائهم الرباعية وهوية مشغليهم عن بعد! نفهم ونتفهم السعي في مناكبها طلبا للرزق، عن طريق عرض دعايات لمنتجات منزلية في «محتوياتهم» كالمنظفات على غرار «سوب أوبرا» وهي المسلسلات التي يبالغ منتجوها لأسباب إعلانية، بطول وعدد حلقاتها ومواسمها، استدراجا للدعايات واستجلابا للإعلانات التي كانت تستهدف ربات البيوت من غير العاملات، عبر دعاية منظفات المطبخ والجلي برائحة زكية وبرغوة أكثر! لكن «الرّغْيْ» كما في اللهجة المصرية، بمعنى «كثر الحكي» بلهجتنا المحلية أو الثرثرة بالعربية الفصيحة، ليس مقبولا إن كانت سبّوبته هي الشتم وما يصل في حرمته وجرميته إلى التكفير والتخوين أو النيل من أعلى درجات الفداء والإيثار. الأردنيون يعشقون الفداء ويمقتون الانتحار، يعظّمون الإيثار ويرذلون الاندثار. الإنسان أغلى من الأرض في الديانات السماوية كلها، حرمته، حرمات شرفه وكرامته ودمه ورزقه من أعظم الحرمات، والخوض في حرمات الأوطان والشعوب ليس بسبوبة بل خطيئة وجريمة من ورائها حساب لا ريب فيه عاجلا أو آجلا..