البطالة.. مؤشر خطير يستحق تخصيص أموال

محمود خطاطبة

ما تزال أرقام مُعضلة البطالة، تُلقي بظلالها على الوضع المعيشي لنسبة ليست بسيطة من الأردنيين، فضلًا عن أنها تُسبب أرقًا للدولة، وهي في ارتفاع متواصل عام بعد عام، على الرغم من وجود الكثير من الخطط الحُكومية، وضعت على مدى أعوام أو عقود ماضية.

وما يؤكد هذه الأرقام وتلك الخطط، تأكيد وزير العمل، خالد البكار، بـ"وجود 430 ألف شاب وشابة عاطلون عن العمل في الأردن، وأنه ستُتخذ قرارات، وتهيئة ظروف العمل المُناسبة للتخفيف من حدة البطالة، وخطط لتحسين سوق العمل من خلال تقنيات مُبتكرة".

لن أتطرق إلى الخطط أو الاستراتيجيات، أكانت حُكومية أم خاصة أم مصدرها مراكز بحث ودراسات ونقابات وأكاديميين، التي تُسهم بالقضاء على مُعضلة البطالة، أو على الأقل تقليصها أو التخفيف من حدة آثارها السلبية، فالكثير من الأردنيين، باتوا يحفظونها "عن ظهر قلب"، وقد وصلوا إلى مرحلة "الزهق" من كُثر تكرارها أو ما هو مُشابه لها.

لكن، سأُقدم مُقترحًا، أزعم بأن سيُخفف من حدة البطالة، وكذلك ما يتقاطع معها من آثار سلبية، تعود بالضرر على المواطن والوطن، كما أن هذا المُقترح سيعود بالنفع على الكثير من التجار، أيًا كانت تجارتهم وتصنيفهم، أي تجار "جُملة" أم "مُفرق"، فضلًا عن أن خزنية الدولة ستستفيد أيضًا.

 المُقترح يتضمن تقديم مبلغ، كدعم مادي، يتدبر من خلاله المواطن أمور حياته المعيشية على طول الشهر، وبالتالي لا يكون عبئًا على الوطن أو الأُسرة أو "ربها".. احتمال كبير أن ينظر البعض لهذا المُقترح على أنه ضرب من الخيال، أو يصفني آخرين بأني أُعاني من جنون أو انفصام أو ما شابه ذلك.

ليس مُهمًا ذلك، لنعود إلى أرقام العاطلين عن العمل (430 ألفا).. وأكاد أُجزم، كما الكثير من الأردنيين، بأن هذا الرقم ليس دقيقًا مائة بالمائة، وذلك ليس اتهامًا للوزير البكار بالكذب أو المُبالغة، ولا تشكيكًا بأرقام هيئة الخدمة والإدارة العامة.

نعم صحيح يوجد في مخزون "هيئة الخدمة" هذا الرقم من طالبي الوظائف، لكن ليس صحيحًا أبدًا أن كُل أولئك لا يعملون أبدًا، فالكثير يعمل بأعمال حُرة أو مُتقطعة، أو حتى ليس في مجال تخصصه، وقد يكون بعضهم يتقاضى راتبًا شهريًا يتجاوز ما سيتقاضاه في حال تم تعيينه في القطاع العام.

إذًا، هذه النقطة متفقون عليها، ثم دعونا نتفق على الرقم، ولنفرض مثلًا أن عدد من لا يعملون أبدًا هو 230 ألف شاب وشابة، وبعدها لنعرج معًا على قمية المبلغ المالي، حيث أقترح أن يكون مائة دينار شهريًا لكُل شخص من هؤلاء.. وبحسبة بسيطة تكون قيمة المبلغ المالي الشهري الذي يتوجب على الحُكومة تأمينه لا يتجاوز 23 مليون دينار، الأمر الذي يعني بحده الأعلى لن يتجاوز 276 مليون دينار سنويًا.

وهُنا، قد "يتنطح" أحدهم ويقول من أين ستؤمن الحُكومة هذا المبلغ سنويًا، لأُجيب عليه بأن الأمر سهل جدًا، في حال تم مُقارنة إيجابيات اعتماد هذا المُقترح على الوطن والمواطن، بسلبيات عدم اللجوء إليه، وأول هذه السلبيات هو عدم ترك المواطن عُرضة للانحراف، وما يتبع ذلك من قتل وسرقات، أو اللجوء إلى المُخدرات، كنوع من الهروب، والأنكى من ذلك أن يُصبح يُتاجر بهذه الآفة أو على الأقل يُروج لها، وتأثير ذلك على السلم المُجتمعي، والأخطر عدم تركه "لقمة سائغة" أمام التنطيمات الإرهابية.


ثم إذا أُقفلت جميع الأبواب، ولم تتمكن الحكومة من تأمين هذا المبلغ، وهذا من المُستحيلات، فلا ضير أبدًا، ولن يعترض أي مواطن، في حال تم اللجوء إلى وضع نسبة مُعينة على فاتورة الكهرباء، أو زيادة الضريبة ولو واحد بالمائة على المُشتقات النفطية، أو ما شابه ذلك خصوصًا مواد "الكماليات"، تذهب جميعها لتأمين مبلغ 276 مليون دينار.

فعندما يتم ضخ مثل هذا المبلغ في السوق الأردني، فإن العجلة الاقتصادية بكُل أركانها ستدور، وبالتالي الكُل مُستفيد، فالشخص عندما يأتيه مبلغًا ماليًا (المُقترح مائة دينار)، فإنه من الطبيعي أن يقوم من خلاله بشراء حاجيات، أكانت أساسية أم حتى كمالية، وحتمًا سيستفيد البائع الفرد، أو ما يُطلق عليه "تاجر المُفرق"، ومن ثم سيستفيد تاجر "الجُملة"، وبالنهاية ستستفيد خزينة الدولة أيضًا حيث ستأخذ حصتها من كُل تلك العملية التجارية أو الاقتصادية، على شكل ضرائب، بشقيها ضريبة الدخل أو المبيعات.