عودة الجهاديين إلى اليمن: مشهد هشّ وتداعيات إقليمية
تتخذ التنظيمات الجهادية في اليمن مسارات جديدة تُمزج بين العمل العسكري والتمويه السياسي والاجتماعي، مستفيدةً من انشغال الأطراف المحلية والإقليمية بالصراع الدائر في غزة وشرره المتطاير من الحدود اللبنانية والسورية مع اسرائيل وصولا الى باب المندب وخليج عدن هذه التحولات تُثير مخاوف دولية، خاصة مع ظهور مؤشرات على تعاون غير مُعلن بين جماعات يمنية متنافرة الأهداف لتحقيق مكاسب تكتيكية
أجندات متقاطعة في ظل الصراع
تشير تقارير أممية إلى تعاون غير مباشر بين الحوثيين وجماعات مثل داعش و"أنصار الشريعة" (ذراع القاعدة سابقًا) في مناطق مثل البيضاء وشبوة، وحضرموت حيث تسمح الأولى للأخيرة بالتحرك مقابل ضربات تستهدف قوات الحكومة المعترف بها دوليًا. وتستفيد جماعة الإخوان المسلمين في اليمن (المتمثلة في حزب الإصلاح) من وجود التنظيمات الجهادية كورقة ضغط لتعزيز نفوذها في اليمن ، وفق تحليل لمركز صنعاء للدراسات.
القاعدة: من العمل المسلح إلى التمكين المجتمعي:
وتعد الفوضى المستدامة البيئة المثلى لإعادة إنتاج التطرف، واليمن اليوم ساحة مفتوحة لهندسة تحالفات هجينة" وفق تقرير مجموعة الخبراء التابع لمجلس الأمن.
مؤخرا أعلن قادة سابقون في القاعدة، في محافظة حضرموت تحديدا وقف نشاطهم الجهادي وتخليهم عن أفكار وشعارات التنظيمات التي كانوا محسوبين عليها، تمهيدا لتأسيس كيانات قبلية وسياسية، ويحدث ذلك تحديدا في محافظة حضرموت كبرى محافظات البلاد ومصدر الثروة النفطية، كما تستغل مجموعات قبلية حالة الفوضى هذه للسيطرة على الموارد، فبعد إجبار الحوثيين للحكومة اليمنية على وقف تصدير النفط بعد استهداف الموانى النفطية في حضرموت وشبوة منذ نحو عامين استغلت جماعات منفلتة كتلك التي يقودها عمرو بن حبريش في حضرموت الفوضى ونشرت مجاميع مسلحة للسيطرة على حقوق نفطية وبيع المشتقات في السوق السوداء واستخدام العائدات للإثراء وإنشاء مليشيات مسلحة
تكشف وثائق أممية أن هذه الكيانات تستقبل أموالًا عبر شبكات غسيل أموال مرتبطة بتجارة الوقود والتحويلات الخارجية، بما يتجاوز 30% من إيراداتها السنوية بينها هيئة اجتماعية تقدّم خدمات تعليمية وصحية بتمويل من جهات دوليّة غير خاضعة للرقابة.
اختراق مؤسسي:
مع طول أمد الصراع في اليمن وجدت الجماعات المتطرفة موطئ قدم لها في جبهات القتال خاصة مع ما تمتلكه عناصرها من خبرة وتدريب؛ وبحسب تقارير محلية فنسبة العناصر المنخرطة في قوات محسوبة على الحكومة: يتراوح بين 5 الى 12 % خاصة في محافظات مأرب وتعز والبيضاء وحضرموت الوادي. ومن شأن تأكيد هذه النسب تهديد مصداقية الحكومة اليمنية أمام المانحين الدوليين،
اجراءات للحد من خطر هذه التنظيمات:
اوصى تقرير صادر عن لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن بتفعيل نظام مراقبة دولي للتحويلات المالية المشبوهة، خاصة عبر موانئ اليمن. ودعم "قوات الحزام الأمني" في عدن وأبين لضبط الاختراقات وإطلاق منصات حوارية تضم القبائل والشباب لقطع الطريق على تجنيد المتطرفين.
وبحسب مركز كارنيغي للشرق الأوسط فإن "التنظيمات الجهادية في اليمن تعيد إحياء هجمات السفن في باب المندب، مستفيدةً من تكتيكات الحوثيين، ما قد يُعطّل 12% من التجارة العالمية.
موصيا لتجنب ذلك بتحييد اليمن عن الصراعات الإقليمية وما يتطلبه ذلك من إعادة تعريف مصالح القوى الفاعلة، وليس فقط إرسال المساعدات"
لعبة الظلال وخريطة المستقبل:
المشهد اليمني يشهد تحولًا جوهريًا فالتنظيمات الجهادية لم تعد "دولة داخل الدولة" بل أصبحت "نخبًا داخل النظام" خصوصا مع تغلغل الإخوان المسلمين في مفاصل السلطة وتحكمهم بمناطق حيوية مثل مارب ووادي حضرموت الغنيين بالنفط هذا التحول يُعمّق أزمة الشرعية ويُهدد بانهيار أي تسوية سياسية قادمة فيما السيناريو الأكثر خطورة هو تحول اليمن إلى "سوريا جديدة" حيث تتقاسم الجماعات الإرهابية النفوذ تحت غطاء الصراع الدولي على الممرات المائية والموارد.