العزة يكتب: في زمن الخوف… الملك يرسم الأمان

رامي رحاب العزة 

في لحظةٍ إقليمية يخيم عليها الدخان، وتتكالب فيها العواصف على دولٍ انهارت قبل أن تصرخ، يخرج الأردن كعادته لا يبحث عن العناوين، بل يُصبح هو العنوان.

وفي قصر الحسينية، لم يكن لقاء جلالة الملك عبدالله الثاني مع قادة الأجهزة الأمنية مجرد جلسة عمل، بل كان أشبه بصلاة وطنية خاشعة، تُؤدى بصوتٍ واثق، لا يرتفع، لكنه يزلزل الفتنة في مهدها.

في تلك الجلسة، كان الملك يُحدثهم بلغةٍ لا تحتاج ترجمة: لن نسمح أن يُمسّ أمن الأردن، لا من الخارج ولا من الداخل.
وكان الأهم من كل ما قيل، تلك الرسالة التي التقطها كل أردني غيور: احذروا الفتنة، وكونوا أكبر من صغائرها.
فالخطر الحقيقي لا يأتي دومًا من حدودٍ تُراقب، بل من كلماتٍ تُزرع في العقول وتُحرّض على الشك، والشك إن استوطن قلب الوطن، فلن ينفع بعدها أمنٌ ولا جدران.

اليوم، نعيش في محيط يغلي، والجميع يُغلق مجاله الجوي، ويُعلق مطاراته، ويخشى على سمائه من النيران… إلا الأردن.
طيراننا الوحيد في المنطقة الذي لم ينقطع، لم يكن ذلك صدفة ولا مجازفة، بل شهادة للعالم أن هناك دولة ما زالت تُمسك بدفتها رغم عصف البحر.
هذا ليس مجرد قرار ملاحي، بل موقف استراتيجي يروي قصة وطن يعرف متى يتقدم، ومتى يصمت، ومتى يقول: أنا جاهز، وأنت؟

وفي ظل هذا الزخم من الفوضى، من الطبيعي أن يحاول البعض النفخ في رماد الفتنة، لكننا هنا لسنا أبناء هشاشة، بل أبناء وعي.
نحن لا نرتعب من همس التحريض، بل نُحاربه بالعقل، ونُسقطه بالوعي، ونواجهه بوحدة لا تُخترق.
فالمعارك ليست كلها بالبندقية، وبعض الخيانات تبدأ بمنشور أو إشاعة. لذلك، رسالتنا: لا تسمحوا لأحد أن يعبث بثقتكم بقيادتكم، ولا تتركوا مساحاتكم لمن لا يرى في الأردن إلا غنيمة في الفوضى.

نحن لا نخاف، لأننا نملك قائداً يرى أبعد مما نرى، ويتكلم حين يصمت الآخرون.
وفي زمن الخوف، لا نركض بحثًا عن طمأنينة؛ نحن من يُصدّر الطمأنينة.
وفي زمن الانقطاع، لا نُغلق الأبواب؛ نحن من يُبقيها مشرعة للأمل.

الأردن لا يعيش على هامش الأحداث، بل في قلبها، لكنه اختار أن يكون ضمير العاصفة لا ضحيتها.
وها هو الملك يرسم لنا الطريق مرة أخرى… لا بالخطابات، بل بالثبات.
يقف على أرضٍ يعرف أنها ليست مجرد وطن، بل رسالة… وراية لا تسقط.

فيا أردنيّ، كن أنت الجندي بصمتك، والمقاتل بوعيك، والوفيّ بوطنك.
ولا تنسَ: نحن من تَعوّد أن نحمي الجبهة حتى ولو بقينا وحدنا، ونحن من أبقى سماءه مفتوحة… لأننا نثق بأنفسنا، ونثق بملكٍ، إذا هاج البحر، قاد السفينة، وإذا نامت العيون، ظلّ مستيقظًا من أجلنا.