في العتمة الحالكة… لا يحتاج النور إلى الصراخ!
يونس الكفرعيني
في زمنٍ صار فيه الضجيج وسيلةً للفت الانتباه، والتظاهر شكلاً من أشكال النجاح، يصبح الصمت موقفًا عظيمًا، وتغدو البساطة قمةً من قمم القوة. وبين كل هذا الركام، تخرج عبارة كأنها حكمة عتيقة: في العتمة الحالكة، لا يحتاج النور للصراخ… يكفيه أن يمرّ، فيُرى
النور لا يصطنع حضوره، ففي أشدّ لحظات الظلام، لا يتردد النور، لا يتلعثم، لا يتجمّل. هو لا يحمل إعلانًا يسبق وصوله، ولا يحتاج إلى آلة تضخّ صوته. إنه يمرّ… فيُرى. هكذا ببساطة.
النور لا يصطنع حضوره، لأنه لا يحتاج إلى ذلك. في وجوده، تتبدّد الحيرة، ويظهر الطريق، وتُكشَف الوجوه على حقيقتها. هو ليس شيئًا طارئًا، بل أصلٌ في الأشياء. وما الظلمة إلا غيابه المؤقت، تنتظره العيون الصادقة، وتفتّش عنه الأرواح المتعبة.
حين يصبح الصمت أبلغ من الصوت، فليس كل ما يلمع ذهبًا، وليس كل من يصرخ صادقًا. الحقيقة العميقة لا تأتي على هيئة ضجيج، بل غالبًا ما تمرّ في هيئة هدوء عميق، في حضورٍ لا يحتاج إلى تفسير، في لمحة عين، أو لمسة روح، أو حتى سكون لحظة.
في داخل كل إنسان، نور ينتظر أن يُرى. نور لا يبحث عن تصفيق، ولا يقف على منصّة، لكنه يبذل، يعطي، يحب، ويضيء… دون انتظار.
من هم أصحاب النور؟ هم أولئك الذين يمرّون في حياتك دون أن يطالبوا بشيء، لكنك تشعر بعدهم أن شيئًا جميلًا قد تغير. ربما قالوا كلمة في وقتٍ حرج، أو صمتوا حين كان الجميع يثرثر، أو احتضنوا جرحك بصبر لا يُرى، أو مرّوا فقط… وتركونا مختلفين.
أصحاب النور لا يطاردون الأضواء، لأنهم يُضيئون من داخلهم. لا يتكلفون في تقديم أنفسهم، لأن أرواحهم الصافية تتحدث بالنيابة عنهم.
كلّ إنسان يحمل بذرة النور داخله. حين تكون صادقًا مع نفسك، متوازنًا مع قيمك، محبًا دون شروط، متواضعًا دون ضعف، صامتًا حين لا ينفع الكلام… فأنت نور.
حين تساعد دون أن تُعلن، وتغفر دون أن تُحاسب، وتبادر دون أن تنتظر، فأنت نور.
في عالم العتمة، يكفي أن تكون مختلفًا، لا لتلفت الأنظار، بل لتُضيء للآخرين دروبهم دون أن تنتبه. يكفي أن تمرّ، فيُرى فيك أثرٌ طيب، أو موقف نقي، أو صمتٍ مليء بالحكمة.
في زمن التسويق لكل شيء، لا تُسوّق نفسك. كن كما أنت. نظيفًا، بسيطًا، حقيقيًا. لا تتكلف في شرح من تكون، ولا تجهد في إقناع أحد بك. النور لا يشرح نفسه، هو فقط يمرّ… ويُرى.
وإذا كنت في ظلمة اليوم… فلا تيأس. لأن مرورك الهادئ قد يكون النور الذي ينتظره غيرك. لا تحتاج أن تصرخ، فقط كن… وكن صادقًا، فذلك وحده كفيل بأن يجعلك تُرى، ولو كنت في عمق العتمة.