شكرًا لساعي البريد وحاميه

AddThis Website Tools

بشار جرار

من تجارب الحياة الجميلة، إرسال واستلام البريد من المكاتب البريدية وأجملها ذلك المقر الرئيسي في عمّان الحبيبة، وسط البلد، على أعتاب طلوع الخَيّام! الرحلة ذهابا وإيابا مازالت تبهرني كل عام. لكن تراجعت وتيرتها للأسف بسبب التواصل الإلكتروني. حتى الرسائل لم تعد على حالها محلية أو وطنية، بعد أن تحولت إلى طلبيات عابرة للحدود وطرود أمازونية!

قبل الرمز البريدي، «البار كود» والمسح الضوئي لما يكتب على جانبي الرسالة من المرسل والمرسل إليه، كانت عبارة بخط اليد تفيد بأن: شكرا لساعي البريد. التفاتة نبيلة فيها عرفان للجميل وتقديرا لجهد الساعي الذي كان جوالا سيرا على الأقدام قبل أن توفر له الحكومة أو القطاع العمومي كما في بلاد العم سام الدراجة الهوائية ومن بعدها حافلة خاصة لا باب لها من جهة السائق لاختصار الزمن بين التوقف عند كل صندوق بريدي للدفع بالرسائل وما يشترك في صاحب الصندوق البريدي المنزلي من صحف ومجلات، أيضا أيام كانت الوسيط الوحيد والحصري للأخبار ولكل ما يعمر العقول والقلوب وبالتالي البيوت والأوطان.

في عصر ثورة المعلومات وانفجارها بوجه الجميع، لم يعد ساعي البريد هو وحده ذلك الشخص المعروف للأهالي والمدقق أمنيا قبل التوظيف وخلال الخدمة، ساعي البريد في أيامنا هذه غريب، غريم، خصيم وزنّيم في حالات باتت مفضوحة عالميا.

هنا في بلاد العم سام، تم كشف الكثير عن مضبوطات تبدو بريئة لكنها مشبعة في النجاسة القاتلة. مواد إباحية، سموم مخدرات ومتفرقات تتضح صورتها بعد ربط العقد بأنها تدخل مثلا في صناعة الموت عبر الجريمة أو الإرهاب كأن تدخل في تصنيع قنبلة أو مخدر قاتل.

الأسبوع الماضي، عقدت وزيرة العدل الأمريكية ومدير مكتب التحقيقات الفدرالي مؤتمرا صحفيا لو ملكت أمر فضائيات العالم كله لكرست له تغطية مباشرة مع ترجمة فورية يعقبها حوارات لا كتلك الجارية في إطار التنظير، وإنما كما يعرف باللقاء المفتوح «تاون هول ميتِنْغ» كالذي نذكره بخير لطيب الذكر المعد والمقدم والمخرج عروة زريقات.

مما قالته الوزيرة «بام بُندي» وبحرقة متوجهة إلى الأهالي والمراهقين أنفسهم بأن احذروا التلويث المتعمد لأدوية شائعة بعضها متوفر في الدكاكين والأسواق وليس فقط الصيدليات بلا وصفة طبية. يقوم الأشرار من تجار المخدرات بتلويث حبة وجع راس مثلا بمادة شديدة السمية والإدمان «فينتنل» فيتم الإيقاع بالفريسة وسرعان ما تتحول إلى جثة تفجع الأسر والأوطان. وفقا الوزيرة القتلى بلغوا زهاء خمسة وسبعين ألفا سنويا!

الساعي إلى القتل في أيامنا هذا يستغل الجميع بمن فيهم ساعي البريد البريء الذي أبعد ما يكون عن المشاركة في الجريمة. لكن بعض السعاة متواطئون، الأمر الذي يقتضي تشديد التدقيق الأمني في كل الرسائل التي تصلنا. ولعل البداية تكون بالتدقيق الذاتي المبادر بالتساؤل عن ساعي البريد هل هو موضع ثقة أم لا. والقرار في نهاية المطاف قرار فردي مجتمعي، هل نؤمن بالتوجه الاستباقي الوقائي أم نبقى نتعامل مع كل ساعي ومع كل رسالة وطرد بمنطق الفزعة!

ما دمنا نملك سجلا سيء السمعة لبعض ناقلي الرسائل سواء كانوا محطات أو من يساعدونهم على نقل وخدمة سردياتهم وصورهم، فلم التردد وعلامَ التودد لمن ثبت غدره؟ هي قائمة بالمعتمدين كسعاة إن اتضح أنه متواطئون مع الجناة، فلا أقل من سحب تراخيصهم ومن ثم محاسبتهم بالفلس على مال السحت الذي استباحوا به الحدود، حدود الأوطان وحدود الأخلاق.

ودائما وأبدا شكرا لحامي البريد والبلاد، «الأصدق قولا والأخلص عملا» كما وصفهم سيدنا تحت قبة لا يتفيّأ ظلالها إلا الأردنيون.. والجميع بعون الله أردنيون أردنيون في أداء الواجب المناط بهم تشريعيا ورقابيا، بروح الفريق الوطني الواحد يعضدون إخوتهم في السلطتين التنفيذية والقضائية.  

AddThis Website Tools
AddThis Website Tools