مخاوف النخب من البرلمان القادم
جفرا نيوز - نصوح المجالي
النخب السياسية الاردنية سواء المعارضة منها او الموالية تبدو قلقة مما ستأتي به الانتخابات القادمة, فالمعارضون والمقاطعون يراهنون بأن الانتخابات ستؤجل وفي احسن الاحوال لن تأتي بنواب افضل من البرلمان السابق ويعيبون على الانتخابات أن العشائر تنادي الواحدة تلو الاخرى لاختيار مرشح للعشيرة ويستدلون بذلك أن المجلس القادم ذو لون عشائري.
اما النخب السياسية الموالية فتقر ان الانتخابات امر واقع لكنها أيضاً تغلف الحديث بمحاذير بأنها تخشى من المال السياسي وهو تسمية اخرى للفساد الاجتماعي الذي يستشري اثناء الانتخابات ويتمنون لو انه مهد للانتخابات بوفاق وطني اوسع وهذه ضمناً تعني لو ان الدولة استرضت الاخوان المسلمين الامر الذي اولته الدولة اهتمامها ويصعب تحقيقه في ظل تمسك الحركة الاسلامية بشروطها لأن القبول بشروطها يغير طبيعة العملية السياسية بأكملها ويضعها تحت رحمة الاخوان المسلمين تماماً كما حدث في مصر وتونس.
الانتخابات القادمة لن تأتي بشيء غير موجود في المجتمع وعندما يحدد القانون مائة وثماني مناطق جغرافية صغيرة فكل واحدة منها تتكون من عدد محدود من العشائر تتنافس على مقعد واحد, والفائز قطعاً سيكون ابن احدى هذه العشائر, وما يتناساه منتقدو العشائر ان معظم نواب العشائر في البرلمان ومنذ قيام الدولة لم يكونوا عشائريين في سلوكهم بل رجال سياسة وقانون ودولة ورجال وطن والعشيرة، ليست وحدة سياسية ولا تشكل قوة ضغط على الحكومات وفي معظم الاحوال لا تملك القدرة على توجيه الضغط على نائبها الذي انتخبته، فالتخوف من العشائرية في بلدنا مجرد فزاعة ومعظم الحزبيين من اصول عشائرية واكثرهم يلجأ الى عشيرته في الانتخابات اكثر مما يلجأ لحزبه، فالمستقلون والحزبيون في بلدنا يأتون من اصول عشائرية، والعشائر حاضنة اصوات وجسم اجتماعي ينقصه ادنى حد من المؤسسية.
في احد النقاشات سأل الدكتور عبدالسلام المجالي لنفرض ان هناك مليوناً او مليونين من العشائر في المحافظات فمقابلهم هناك اربعة ملايين من سكان المدن الذين لا يعيشون اجواء عشائرية فلماذا لا ينتخبون حزبيين وسياسيين من نوعية افضل والحقيقة ان المشهد نفسه يتكرر في المدن فاهل الخليل يفضلون احد ابناء الخليل وكذلك نابلس او اهالي الشام فالناس يعودون الى اصولهم وروابطهم الاجتماعية على الاغلب، بمعنى ان العامل الاجتماعي والانتماء الى الجهويات تلعب دورا مماثلا حتى في المدن والحزبيون مضطرون للتعامل مع هذه الحقيقة والافادة منها ايضا.
نظرة على القوائم الحزبية التي تتنافس على قائمة الوطن نرى اتجاهاً واضحاً لاختيار من له قاعدة عشائرية ليكون في رأس القائمة ليستفيد الحزب من ثقل العشيرة، اضافة الى ثقل الحزب بغض النظر عن تأثيره او دوره في الحزب، والانتخابات القادمة لن تغير هذه الحقائق وانتخاب عدد من ابناء العشائر لن يجعل الاردن عشائريا ولن يمنع الحزبيين من التقدم اذا احسنوا تنظيم انفسهم وطرح برامجهم على الجمهور.
والبرلمانات عادة، تضم برلمانيين محترفين، تمرسوا في العمل البرلماني، ورجال دولة لهم خبرة واسعة، وحزبيين، ارتقوا سواء من خلال عشائرهم او احزابهم ومستقلين من مختلف الاطياف، معظمهم يتعلمون العمل البرلماني بالممارسة، ويقود البرلمان عادة نخبة قليلة من اصحاب الخبرة.
فالبرلمان القادم لن يكون مختلفاً عما سبقه، وليس لدى الدولة وسيلة ناجعة لمنع شراء الاصوات فمثل هذه الامور لا تتم بالعلن، وليس هناك وسيلة لمنع تسرب عناصر دون المستوى الى اي برلمان في بلدنا او بلاد العالم الثالث، ما تضمنه الحكومة حسن سير العملية وان لا تتدخل الا بحماية وسلامة الانتخابات.
قد يتاح للأحزاب، ونسبتها ستكون محدودة في البرلمان القادم، المشاركة بمحازبين يمثلوها في الحكومة المقبلة وسيتاح للمستقلين وهم الاكثرية، ان ينخرطوا في كتل تشارك ايضاً في الحكومة، وطبيعة الحكومة البرلمانية ما زالت حتى الآن غير واضحة، فتوزير النواب ايضاً مشكلة عانينا منها في الماضي، لكن في جميع الاحوال سيكون للبرلمان رأي فيمن سيشكل الحكومة، او يشارك فيها، وسيكون لهم دور كبير في الرقابة، ومعالجة العديد من الملفات العالقة والضرورية على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وسيتحملون ضغوط ومسؤولية اكبر امام الجمهور.
البرلمان القادم سيكون نتيجة لانتخابات اكثر نزاهة ، وجوه كثيرة ستتكرر، ووجوه اخرى ستحضر، وكأنها لم تحضر، لكن البرلمان القادم محطة انتقالية لمرحلة سياسية افضل واوضح فالتقدم السياسي والديمقراطي لا يُصنع في مرحلة او برلمان واحد، او حكومة واحدة والحكم قاطرة مستمرة يصنع التقدم والاصلاح فيها من يشارك فيها بجدية وايمان بالمشروع الوطني ومن يملك الجرأة على مواجهة الخطأ وتقديم الصواب.