النظام السوري الجديد يربح في أزمة الدروز
الدكتور محمود عواد الدباس.
يمثل (دروز إسرائيل) نموذج الاندماج والتكامل في الدولة الإسرائيلية. أبرز مؤشرات ذلك أنهم يخدمون في الجيش الإسرائيلي. في المقابل، يبرز (دروز لبنان) في النموذج المعادي تمامًا لإسرائيل. هاتان الحقيقتان هما مدخل هذه المقالة. حيث نشهد تباينًا في المواقف والتصريحات ما بين (دروز إسرائيل) وما بين (دروز لبنان) تجاه حدثين اثنين يخصان (دروز سوريا). مع سعي كل طرف منهما إلى جلب (دروز سوريا) إلى جانبه.
الحدث الأول: الزيارة التي قام بها عدد من (دروز سوريا) إلى إسرائيل لزيارة مقام النبي شعيب.
حيث رحب (دروز إسرائيل) بهذه الزيارة، فيما عارضها (دروز لبنان) الذين أدان زعيمهم التاريخي وليد كمال جنبلاط ذهاب عدد من (دروز سوريا) في زيارة إلى إسرائيل، مطالبًا إياهم بالحفاظ على الهوية العربية مع التوحد مع الهوية السورية. في ذات السياق، كان هناك انقسامات داخل (دروز سوريا) حول هذه الزيارة. حيث أن هناك موقفين اثنين داخل أوساط (دروز سوريا): هنالك موقف يدعم الانفصال والذهاب باتجاه علاقة قوية مع إسرائيل، يقابله طرف آخر يرفض ذلك متمسكًا بوحدة الدولة السورية وهم جزء منها.
في ردود الأفعال من خارج الطائفة الدرزية، نجد أن هذه الزيارة أو حتى طروحات الانفصال لم تحظَ برضى المجتمع السوري من مكوناته المختلفة. وهو ذات الموقف عربيًا وإسلاميًا. لكن ماذا كان الموقف على الصعيد الرسمي السوري في حينها؟ الملاحظ أن هناك ثمة صمت في التصريحات، وربما ثمة تجاهل مؤقت حتى حين. لعل السبب في ذلك هو جدولة الأولويات دون إغفال ما يسعى له بعض القادة الدروز.
الحدث الثاني: التسجيل المدبلج الذي يتضمن إساءة للرسول محمد عليه السلام.
حينما تم نشر تسجيل مدبلج بصوت أحد الشخصيات الدرزية، أدى ذلك إلى وقوع اشتباكات ما بين عناصر غير حكومية مع مجموعات درزية مسلحة. ثم جاءت الهجمات الجوية الإسرائيلية المتعددة تحت عنوان تحذير النظام السوري من الاعتداء على الطائفة الدرزية.
في ذات التوزيع في المواقف مثل الحدث الأول، أدان غالبية قادة (دروز سوريا) صحة التسجيل الصوتي، مؤكدين أنهم إحدى الطوائف المسلمة، مع رفض طلب حماية إسرائيلية، والتأكيد على وحدة الأراضي السورية، مع البدء بتسليم الأسلحة لديهم، مع المطالبة بدور أكبر لوزارة الدفاع في حمايتهم. في المقابل، طالب (دروز إسرائيل) بتدخل إسرائيل لحماية (دروز سوريا). في الجهة المقابلة، كان (دروز لبنان) في الاتجاه المعاكس من حيث التأكيد على وحدة سوريا ورفض الاستعانة بإسرائيل في مواجهة الأمة الإسلامية. على الصعيد الرسمي، صعد النظام من تصريحاته بعد الهجمات الإسرائيلية، وقال: "نحن جاهزون للحرب إذا فرضت علينا". تبع ذلك بدايات ظهور الدعم التركي عبر التشويش على الطائرات الإسرائيلية.
في التوقف على نوعية النجاحات التي حققها النظام السوري في التعامل مع الأقليات داخل سوريا، ومنهم دروز سوريا، فقد كانت البداية من الاتفاق مع المكونات السورية ذات النسبة المئوية الأعلى من عدد السكان. حيث تم الاتفاق مع المكون الكردي مع العمل على المزيد من احتوائه، ساعد على ذلك أن المكون الكردي السوري تحول من خط انفصالي أو فدرالي نحو المطالبة بمزيد من المكتسبات التي تخص هويتهم القومية ضمن هويتهم الوطنية السورية. بعد ذلك، تم إنهاء أي خطر أمني قد يأتي من قبل بعض أجنحة الطائفة العلوية والتي لها روابط مع حزب الله وإيران. وقد تم تحقيق ذلك في أحداث الساحل، ثم في حادثة الحدود السورية اللبنانية، اللتين أكدتا أنه لا مجال لأي اختراق ذي دلالة. أما فيما يتعلق بالطائفة الدرزية، فالمؤكد أنه تم عزل القيادات الانفصالية مع تقوية قيادات درزية ذات توجه وطني سوري. عزز ذلك اكتساب دعم دروز لبنان. أيضًا، تم استثمار قضية دروز سوريا من أجل الحصول على شرعية شعبية أكبر في تعزيز التحالف السوري التركي لخلق توازن عسكري مع إسرائيل.
ختامًا، فمنذ الثامن من كانون الأول الماضي، فإن النظام السوري الجديد يسير في مسارين اثنين: مسار داخلي يشمل تثبيت الأمن والوحدة الجغرافية والنهوض الاقتصادي، ومسار خارجي يتمثل في تحجيم المشروع الإيراني وأدواته، مع تحاشي الاصطدام مع إسرائيل، مع التأكيد على أن ما يقوم به النظام السوري الجديد يحظى بدعم عربي وإسلامي ودولي.