كل موقف وكل شخص ... معلّم
بقلم: يونس الكفرعيني
في زحمة الحياة، وفي تفاصيلها التي تمر كأنها نسمة ثم تتحول إلى إعصار، يقف الإنسان أحيانًا حائرًا أمام حدثٍ موجع، أو لقاءٍ عابر، أو كلمةٍ ألقاها أحدهم ثم مضى...
ويتساءل: "لماذا؟ لماذا يحدث هذا؟ ولماذا أنا؟"
لكن الحقيقة التي تتسلل إلينا بهدوء – حين نهدأ، ونتأمل، وننصت لداخلنا – هي أن كل شيء يحدث لحكمة.
وأن كل شخص نصادفه، سواء كان ضيفًا عابرًا أو رفيق درب، ليس سوى معلّم في هيئة بشر.
ذاك الذي آلمك... جاء ليعلمك كيف تحمي قلبك.
وذاك الذي أحبك بصدق... جاء ليذكّرك أنك تستحق أن تُحَب.
والموقف الذي ظننته نهايتك... كان بداية جديدة مغلفة بلباس الاختبار.
الحياة ليست ضدك... بل هي تعلمك.
والزمن ليس قاسيًا... بل يُربّيك.
وكل لحظة، وكل دمعة، وكل ضحكة... هي حرفٌ من كتابك الذي تخطّه أنت، ويُقرأ غدًا في هيئة وعيٍ ونضج.
حين تغير زاويتك في النظر للحياة، تتغير الحياة كلها.
حين ترى أن كل موقف، مهما كان صغيرًا، يحمل درسًا؛ تتحول من إنسان تائه إلى طالب حكيم.
إنك لا تحتاج إلى جامعة ولا شهادة لتتعلم… بل تحتاج إلى انتباه، وتأمل، واستعداد.
كل إنسان قابلته، حتى من كسر قلبك، كان أداة في يد القدر ليشكّلك.
الحياة مليئة بالأدوات، والمعنى الحقيقي للوعي هو أن تدرك الغاية من الألم، لا أن تلعنه فقط.
كثير منّا يعيش حياة فيها "ردّات فعل" فقط، لا "تأملات".
لكن من يبدأ بالتأمل في كل ما يحدث له، يجد أن الحزن كان معلمًا، وأن الغضب كان مرآة، وأن الفشل كان أستاذًا لمادة "التواضع".
هل تتذكر يومًا بكيت فيه من شدة الخذلان؟
ألا تتذكر كم نضجت بعدها؟ كم نضج قلبك، كم ازداد نضجك في اختيار من تثق به؟
هنا تبدأ الحكمة. وهنا تبدأ رحلتك مع الحياة كمعلّم صامت.
كل شخص قابلته، سواء أحسنت الظن به أم لا، جاء لحكمة.
بعضهم يعلمك كيف تحب.
بعضهم يعلمك كيف تبتعد.
وبعضهم يعلمك كيف "تنسى".
صديق خذلك؟ هو درسك في "الاعتماد على الذات".
شخص خذلك بعد أن وثقت به؟ هو درسك في "الفطنة والتمييز".
من قدّم لك الدعم دون مقابل؟ هو تذكير من الله أن الخير لا يزال موجودًا.
أحيانًا تلتقي بشخص ليمنحك لحظة. وأحيانًا بشخص يمنحك درسًا يستمر مدى الحياة.
الناس يدخلون حياتنا برسائل، لا بصدف.
كل مرة تظن أن شخصًا آذاك، تأمل قليلًا… لعلّه فقط كان رسولًا ليوقظ شيئًا فيك كان نائمًا.
الحياة ليست مفروشة بالورد، لكنها مفروشة بـ"دروس مقنّعة".
الفقر ليس مجرد ضيق مالي، بل هو درس في القناعة والتقدير.
الفشل ليس سقوطًا، بل كشفٌ لما يجب أن تتعلمه لتقوم بشكل أقوى.
كل موقف صعب هو كالامتحان المفاجئ في مدرسة الحياة.
لا إشعار مسبق، لا مراجعة، فقط تُرمى في قلب الموقف.
ثم إما أن تستسلم، أو تتعلم، أو تنهض وتعيد ترتيب نفسك من جديد.
كل مرة تشعر أنك ضائع... تأكد أن الحياة تحاول أن تعيدك إلى طريق جديد لم تكن تراه.
والغريب في المواقف الصعبة، أنها تُظهر لك نسختك الحقيقية.
حين تضيق الحياة، تظهر طباعنا الحقيقية: هل نصرخ؟ هل نتأمل؟ هل نلوم؟ أم ننهض؟
لو سألنا أي شخص ناجح، أو حكيم، أو واثق...
سيقول لك إن أعظم دروسه لم تكن في القاعات، بل في الدموع، والوحدة، والفقد.
نحن لا ننمو في الراحة، بل في القلق، والخذلان، والانكسار.
هنا فقط نكبر. هنا فقط نصبح أفضل.
الوعي لا يُشترى، بل يُكتسب من خلال الألم.
كل مرة شعرت أنك لست كافيًا، كانت دعوة لتكتشف أنك أكثر بكثير مما تظن.
وكل مرة قلّلك أحد، كانت فرصة لتثبت لنفسك أنك أعظم مما رأيت.
رؤية كل شيء كدرس ليست موهبة… بل عادة.
ابدأ يومك بنيّة التعلّم، قل لنفسك: "أيًا يكن ما سيحدث، سأفهمه، وسأتعلم منه."
دوّن دروسك، عند نهاية كل يوم، اسأل نفسك: "ماذا تعلمت اليوم؟ من؟ ولماذا؟"
تحدث عن تجاربك، لا تحتفظ بها لنفسك فقط. فمشاركتك قد تكون درسًا لغيرك.
كن ممتنًا حتى للألم، في لحظة الانكسار، قل: "شكرًا لهذا المعلّم الذي جاء متخفيًا في هيئة موقف."
أعد النظر في ماضيك، كل شخص سبب لك ألمًا، تذكر ماذا تعلمت منه، وسامحه... لأجلك.
الخاتمة: في مدرسة الحياة... كلنا طلاب
الحياة ليست امتحانًا ننجح فيه أو نفشل، بل فصلًا طويلًا نتعلّم فيه باستمرار.
كل لحظة، كل موقف، كل إنسان... هو جزء من المنهج.
وأنت... طالب في هذه المدرسة، تكتب فصولك بقراراتك، وتعيد اختبارك بصبرك.
فلا تحزن على شيء انتهى، ولا تتذمر من شخص مضى، ولا تغضب من درس مؤلم…
لأنك كل يوم تصبح أكثر وعيًا، أكثر نضجًا، وأكثر قربًا من ذاتك.
وتذكر دائمًا:
أعظم المعلّمين لا يُمسكون قلمًا، بل يلمسون قلبك، ويرحلون بصمت، ويتركون في داخلك درسًا لا يُنسى.
هل ترى الآن لماذا أنت ممتن لكل من مر في حياتك؟ حتى من أوجعك، حتى من خذلك، حتى من تركك...
كلهم كانوا معلّمين، وكلهم ساهموا في "نسختك الحالية".
والأجمل؟
أنك الآن... مستعد لتكون أنت أيضًا معلّمًا في حياة الآخرين.