السلوكيات السلبية في المدارس متغير عابر أم خطر متجذّر؟
الدكتور عادل محمد الوهادنة
النقاط الرئيسية
* المدارس كبيئة حيوية لتشكيل سلوكيات الطلاب وتأثير السلوكيات السلبية عليها.
* انتشار التدخين بين الطلاب في الأردن مقارنة بدول أخرى.
* ظاهرة التهرب المدرسي وتأثيرها على مستقبل الطلاب.
* الاعتداءات الجسدية بين الطلاب وتأثيرها على البيئة المدرسية.
* دور المؤثرين وأصحاب المبادرات المجتمعية في الحد من هذه الظواهر.
* استراتيجيات مقترحة لمواجهة السلوكيات السلبية.
* أهمية التدرج في العقوبات داخل المدارس بين الردع والإصلاح.
* مقارنة العقوبات المتبعة في الأردن مع الدول الأخرى.
مقدمة
تُعَدّ المدارس مرآةً تعكس صحة المجتمع وسلامته، ومع ذلك، فإنها تواجه تحديات جسيمة تتعلق بانتشار سلوكيات سلبية بين الطلاب، مثل التدخين، التهرب المدرسي، والاعتداءات الجسدية. هذه الظواهر لا تؤثر فقط على البيئة التعليمية، بل تمتد تداعياتها لتشكل تهديدًا لمستقبل الأجيال القادمة.
التدخين بين الطلاب: قنبلة موقوتة
تشير الإحصاءات إلى انتشار مقلق لظاهرة التدخين بين الطلاب في الأردن. وفقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية، فإن نسبة المدخنين الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا تقارب 12%، مما يعني أن هذه الفئة تشمل طلبة المدارس. كما أظهرت نتائج المسح الوطني لاستخدام التبغ أن نسبة التدخين بين الذكور في الأردن بلغت 71.2%، وبين الإناث 28.8%، وهي من أعلى المعدلات عالميًا.
مقارنة دولية:
* في فرنسا، تبلغ نسبة المدخنين بين المراهقين 35%.
* في الولايات المتحدة، انخفضت نسبة المدخنين بين الطلاب إلى أقل من 5% بعد فرض سياسات صارمة لمكافحة التدخين.
* في اليابان، يتم فرض رقابة صارمة على بيع التبغ لمن هم دون 20 عامًا، ما أدى إلى تراجع نسب التدخين بين الشباب.
هذا الفارق يشير إلى وجود تحديات خاصة في البيئة الأردنية تستدعي تدخلات عاجلة، مثل رفع الوعي بخطورة التدخين وفرض سياسات أكثر صرامة.
التهرب المدرسي: نزيف خفي في جسد التعليم
التهرب المدرسي يُعتبر مؤشرًا على وجود مشكلات أعمق قد تتعلق بالبيئة التعليمية أو الاجتماعية للطالب. في الأردن، تُظهر التقارير أن نسبة الغياب غير المبرر بين الطلاب تصل إلى 15%، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بدول أخرى في المنطقة.
مقارنة دولية:
* في الإمارات العربية المتحدة، تبلغ نسبة الغياب غير المبرر 9%.
* في فنلندا، التي تُعتبر من الدول الرائدة في التعليم، تقل نسبة الغياب عن 3% بسبب استراتيجيات التدريس الحديثة والمرونة في المناهج.
* في ألمانيا، يتم ربط الحضور بالتحفيز من خلال استراتيجيات تعليمية تتماشى مع اهتمامات الطلاب، مما يجعل نسبة الغياب غير المبرر أقل من 5%.
الاعتداءات الجسدية: عنف مستتر يهدد السلامة
الاعتداءات الجسدية بين الطلاب تمثل تحديًا آخر يهدد سلامة البيئة المدرسية. تشير الدراسات إلى أن 20% من الطلاب في المدارس الأردنية تعرضوا لشكل من أشكال العنف الجسدي من قبل زملائهم، وهي نسبة تتجاوز المتوسط العالمي البالغ 15%.
مقارنة دولية:
* في النرويج، حيث يتم التركيز على الصحة النفسية للطلاب، تقل نسبة العنف المدرسي عن 10%.
* في كندا، يتم تطبيق برامج صارمة لمكافحة التنمر، مما أدى إلى انخفاض نسب الاعتداءات الجسدية إلى أقل من 12%.
* في البرازيل، حيث تعاني المدارس من تحديات أمنية، تصل نسبة العنف المدرسي إلى 30%، مما يجعل الحاجة إلى حلول مستدامة أكثر إلحاحًا.
دور المؤثرين والمدونين: قوة ناعمة للتغيير
في العصر الرقمي، أصبح للمؤثرين والمدونين دور محوري في تشكيل وعي وسلوكيات الشباب. يمكن استغلال هذه القوة الناعمة لإحداث تغيير إيجابي في المجتمع المدرسي.
استراتيجيات مبتكرة لمواجهة السلوكيات السلبية:
1. حملات توعوية تفاعلية: تنظيم حملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمشاركة مؤثرين معروفين لتسليط الضوء على مخاطر التدخين والعنف المدرسي.
2. قصص نجاح ملهمة: عرض تجارب شخصية لمؤثرين تمكنوا من التغلب على تحديات مشابهة، مما يشجع الطلاب على اتباع نماذج إيجابية.
3. محتوى تعليمي مبتكر: إنتاج فيديوهات قصيرة ورسوم متحركة توعوية تجذب انتباه الطلاب وتوصل الرسائل بطرق مبتكرة.
4. ورش عمل تفاعلية: تنظيم ورش عمل في المدارس بمشاركة مؤثرين لتعليم الطلاب مهارات التعامل مع الضغوط والابتعاد عن السلوكيات السلبية.
5. تحديات إيجابية: إطلاق تحديات عبر الإنترنت تشجع على تبني سلوكيات صحية، مثل الامتناع عن التدخين أو ممارسة الرياضة، مع تقديم جوائز تحفيزية.
التدرج في العقوبات داخل المدارس: بين الردع والإصلاح
تواجه المدارس اليوم تحديات كبيرة في التعامل مع المخالفات السلوكية للطلاب، بدءًا من التدخين والغياب غير المبرر، وصولًا إلى العنف المدرسي. السؤال الأهم: كيف يمكن فرض عقوبات تكون رادعة دون أن تتحول إلى عامل طرد للطلاب من البيئة التعليمية؟
مقارنة نظم العقوبات بين الدول:
* في ألمانيا، يتم التركيز على التأديب الإيجابي، حيث يُطلب من الطلاب الذين يرتكبون مخالفات المشاركة في أنشطة تطوعية بدلًا من العقوبات التقليدية.
* في الولايات المتحدة، يتم تطبيق برامج "العدالة التصالحية"، حيث يُطلب من الطلاب المخالفين مواجهة آثار أفعالهم والتفاعل مع من تضرروا من سلوكهم.
* في كوريا الجنوبية، يتم استخدام استراتيجيات تأهيلية تشمل جلسات استشارية إلزامية بدلاً من العقوبات القاسية.
الخاتمة
مواجهة السلوكيات السلبية في المدارس تتطلب تضافر الجهود بين المؤسسات التعليمية والمجتمع المدني، مع استغلال القوة الناعمة للمؤثرين والمدونين لإحداث تغيير جذري. كما أن تطوير نظم عقوبات تدريجية تُركز على التأديب بدلًا من العقاب القاسي يُمكن أن يسهم في إعادة دمج الطلاب المخالفين داخل البيئة التعليمية بشكل أكثر فاعلية.
من خلال استراتيجيات مبتكرة ومتكاملة، يمكننا بناء بيئة مدرسية صحية وآمنة تُساهم في تنشئة جيل واعٍ ومسؤول، قادر على مواجهة التحديات المستقبلية بسلوكيات إيجابية.