طاهر المصري..دبلوماسية الجغرافيا المتحدة

جفرا نيوز - طاهر المصري، النابلسي الذي تربع على كرسي القرار في عمان, لم يشعر بالتناقض, ولم يذهب إلى مواجهة خصومه بالمثل, بل ظل قادراً على إدارة دفة المركب بما اعتقد أن فيه مصلحة للوطن.
عند الحديث عن صناعة القرار, أي قرار في الأردن, لا يمكن تجاوز دائرة أبي نشأت, أو صم الأذان عما يتردد في صالونه السياسي, فالرجل اختار دائماً أن يكون ناصحاً حتى لخصومه, وهو لا يجامل أحدا عندما يتعلق الأمر بالمصلحة العليا.
هدوء طاهر المصري لا يوحي بالضعف أو التراجع, فهو سمة أساسية من سمات شخصيته, لكن الذين يعرفون الرجل عن قرب يؤكدون انه غير قابل للاستفزاز, وغير مستعد لخوض معارك جانبية يعرف نتيجتها مسبقاً.
بوصلته لا تخطئ مسارها, لذلك يحرص الآخرون على معرفة اتجاهه وقراءة دوافعه باستمرار, فموقف الرجل يمثل ضمانة تؤهله لان يعرف أين تنتهي صلاحيته وأين يبدأ قراره.
ولد في نابلس عام 1942 ودرس إدارة الأعمال في جامعة تكساس الأميركية، ليبدأ وظيفته الأولى موظفا في البنك المركزي مساعدا لرئيس الدائرة المصرفية، ليكتشف أبو نشأت بعد ذلك أن السياسية هي البوابة الأوسع للعمل العام، فحجز مقعده منذ عام 1972 نائبا عن مدينة نابلس في مجلس النواب لأكثر من دورة، قبل أن يختاره الرئيس زيد الرفاعي في حكومته الأولى وزيرا لشؤون الوطن المحتل في أيار 1973.
عمل طاهر المصري سفيرا لدى اسبانيا وفرنسا وبريطانيا، وأثناء عمله في هذه الدول عمل أيضا سفيرا غير مقيم في بلجيكا ومندوبا لدى اليونسكو ولدى السوق الأوروبية المشتركة.
تسلم حقيبة الخارجية في حكومة الرئيس احمد عبيدات، واستمر في الموقع ذاته في حكومة الرئيس زيد الرفاعي الرابعة التي استقال منها قبل انتهاء ولايتها ليعود في حكومة الشريف زيد بن شاكر الأولى نائبا للرئيس ووزير دولة للشؤون الاقتصادية، ليستقيل منها بسبب قراره خوض انتخابات البرلمان الحادي عشر الذي حجز فيه مقعده هذه المرة عن الدائرة الثالثة في عمان، ليعود أثناء نيابته وزيرا للخارجية في الشهور الستة الأخيرة من عمر حكومة الرئيس مضر بدران الرابعة، ليتم تكليف أبي نشأت في حزيران 1991 بتشكيل حكومته التي ثارت في وجهها الكثير من الأسئلة في ذلك الحين.
طريقه إلى الدوار الرابع لم تكن سالكة باستمرار, غير انه استطاع ببراعة السياسي أن يتخطى حقول الألغام الكثيرة التي انتشرت في طريق برنامجه، رغم أن خمسة من أعضاء فريقه الوزاري استقالوا علنا احتجاجا على قرار الحكومة بالمشاركة في أعمال مؤتمر مدريد عام 1991.
خاض انتخابات البرلمان الثاني عشر عام 1993 وأصبح رئيسا لمجلس النواب، فيما حجز مقعده في مجلس الأعيان منذ عام 1998 ليصبح النائب الأول لرئيسه لأكثر من دورة. حتى استقر به المطاف على رئاسة سدة مجلس الامة رئيسا لمجلس الاعيان ،مجلس الملك.
مريدون كثيرون يتزاحمون في طريق أبي نشأت, ومع انه يعرف سماتهم ونواياهم, إلا انه لم يوصد الأبواب في وجه احد, وظل ممسكاً بأطراف الحوار مؤكداً انه ما زال قادراً على الفعل.
عضويته في فريق الأجندة الوطنية وموقعه كمقرر لها لم تمنعه من انتقاد أدائها, ولأنه صاحب صوت مسموع جيداً, فان طاهر المصري يحرص أن تكون كلماته في مكانها ولا يبعثرها في الهواء.
لا يختلف اثنان أن أبا نشأت احد ابرز حروف أبجدية السياسة المعاصرة في الأردن, لذلك لم يصادره المنصب وظل نفسه في كل المواقع التي قال فيها كلمته العالية, وتراه يتحرك في الاتجاهات الأربعة لإكمال صورة ناقصة أو إعادة حرف مبتور إلى كلمة فقدت معناها.
شبكة علاقاته الواسعة لم تقتصر على النخب السياسية فقط, بل امتدت إلى قاع المدينة حيث الفقراء والمغيبون الذين منحوه ثقتهم وأصواتهم.
أبو نشأت رجل ناعم من صوان عنيد, هكذا يصفه أصدقاؤه، ولذلك فان قاربه لم يفقد شراعه رغم كل الرياح التي عصفت به ومن حوله, ولم يحن رأسه للعاصفة التي فقدت قوتها بين جناحيه.
النابلسي الذي يحرص على تقديم "الكنافة" لضيوفه, يذهب إلى مشاركتهم في تناول المنسف أيضا, ولم تتعرض حكومة للنقد القاسي مثلما تعرضت الحكومة التي قادها طاهر المصري مطلع التسعينيات.
رغم أن الرجل لم يغادر موقعه الرسمي منذ منتصف الستينات, إلا أن خطوطه مع أطياف المعارضة ظلت موصولة باستمرار, وهو مستمع جيد ومحاور لبق, لم يسجل عليه انه دعا لمصادرة الرأي الآخر أو صم أذنيه عن سماعه.
مثلما يملك أبو نشأت حضوره السياسي والاجتماعي في نابلس وعمان, فان له حضوراً مشابهاً في الكرك واربد والسلط, ومعان وفي كل المواقع يقدم خطابه السياسي نفسه, ولا يبدل عباءته تبعاً لمتطلبات الجغرافيا السياسية.